تطرقت في مقالات سابقة إلى بعض التجارب الفنية المرتبطة بوعي الفنان، وكنت حينها أتحدث عن مجموعة من الفنانين ينهلون من معارفهم أفكاراً يحولونها إلى «تشكُّلات بصرية» قبل أن تسيطر علينا «الرؤى التجريدية» في العمل الفني، فأصبح بعض المتابعين للحركة الفنية لا يستطيعون رؤية العمل الفني حينما يخرج عن ماهية الفكرة الجاهزة إلى «حالة التفكر»، التي تستثير العقل بحثاً عن الإجابة كي يصل إلى رؤية واضحة في الأعمال الفنية التي تشده، ونجد في كثير من المعارض أن بعض الفنانين يذهبون إلى مدرسة واحدة، ويتوقفون عندها دون محاولة الذهاب إلى روح المغامرة، والبحث «المعرفي» ليمزجوا ما بين الفن والمعرفة، ويعيدوا تقديمهما برؤية جديدة. من هنا انطلقت كثير من الأعمال الخالية من المعرفة ليصطدم بها الناقد، ويجد بأن «الفنان» لا يعرف لماذا استخدم تلك الألوان في تعبيرات اللوحة، ما جعل بعض النقاد العرب يضعون إجابات جاهزة من مثل: «الفنانون في الخليج لا يملكون أي فكرٍ فني». وهذا ما أثر على واقع التجربة التي استطاعت أن تضع بصماتها في منطقة الخليج العربي والعالم، ولكن حينما تلتقي بفنان لا يستطيع الحديث عن عمله الفني، أو «يسترق» أفكار الآخرين تراه يقوم بتشويهها في تجربة باهتة جداً تسيء إلى صاحب الفكرة. حينما أتحدث عن بعض التجارب الفنية، وأنا لست ناقداً، ولم تجرؤ يداي ذات يوم على مسك فرشاة ألوان، إنما أستند إلى ذائقتي الشخصية، ومعرفتي بتجارب بعض الفنانين الذين سأتحدث عنهم في أكثر من مقال، تلك التجارب التي شدتني منذ بدايتها، وسوف أحاول ملامسة تجربة بعض فناني الخليج الذين استندوا في عملهم الفني إلى العمل الأسطوري، والاقتراب الأنثروبولوجي، ومنهم الفنانة السعودية شادية عالم، التي تحدثت عنها في مقالة مفاتيح «بلوبيرد» في «مكة»، وكيف استطاعت «عالم» أن تستخرج عملاً فنياً عالمياً من خلال حكاية الجدة وهي «أسطورة» عالمية، تم تعريبها في مكة، وقُدِّمت عملاً فنياً من خلال «النافذة/ الباب»، ما قادها من مكة إلى البندقية في رؤية حضارية. ومن خلال متابعتي مشوارَ «عالم» وجدت أنها كوَّنت حالة ثنائية مع أختها الروائية رجاء عالم، التي استطاعت تحويل الحكايات المكية وأساطيرها إلى أعمال روائية، جسَّدتها شادية في لوحات فنية، حيث ركزت على الارتباط الأسطوري بالمرأة، وكان عملها خروجاً عن المألوف في رؤيتها للجسد «أرى المخلوقات حولي نقوشاً ورموزاً في حركةٍ دائبة تُحاول الاندماج في جسد الحقيقة خلفها – الحديث لشادية عالم- وتجعل تلك الرموز المُشَاهِدَ في حالة تأمل دائمة. وهذا ما اختبره في رسوم الجسد». جاء ذلك ضمن أعمالها التي قدمتها خلال السنوات الماضية، وكانت البداية من حكايات نساء الجنوب السعودي ضمن أكثر من عمل فني، دمجت فيها الحاضر بالماضي، كما قامت بإسقاط رؤيتها الفكرية على أعمالها، واستطاعت اختراق جدران الخوف وحواجز الجهل المركب الذي يصنعه المجتمع، وربما «العائلة» من خلال الذهاب إلى فضاء اللون تاركة تلك المساحات مفتوحة في أعمالها، معتمدة على «الأزرق» الذي صاحب أكثر من معرض وعمل فني، كما شكَّلت الثنائية بين الأختين «رجاء/ شادية» حالة من «التوأمة الثقافية»، فكان عملهما مشتركاً، واستطاعا تقديم «الفلك الأسود» في بينالي فينيسيا الفني عام 2011 ليكون بدايةً لانطلاق الأساطير في أعمال «عالم» الفنية، ثم قدمت «جنيات لارا» عام 2013 ضمن مسابقة دولية في هونج كونج، وكانت من مجموعة كتاب ضم 12 عملاً فنياً، واستمرت «عالم» ضمن إطار الرؤية الفنية العالمية بعدما تشكلت رؤيتها الثقافية، ومن هنا استطاعت أن تصنع الفرق بينها وبين أي فنان لا يستطيع أن يقرأ كتاباً، أو يشاهد لوحة بعين المثقف، أو يحاول صناعة الأفكار وليس تقليدها.