قبل أكثر من 2500 عام أصيب الحكيم الصيني (لاو تسي) بالإحباط من الجو السياسي المسيطر في ذلك الحين؛ فحزم كتبه على ظهر ثور واتجه للبراري، وانفرد يكتب بحريّة شيئا من الحكمة المبنية على فلسفة «الداو» (التي تعني السبيل)، وتهدف لقيادة الإنسان نحو السلام والطمأنينة، وفيها تعليم للحكام كيف يسوسون رعيتهم وإعادة الحضارة إلى أحضان الطبيعة، وفي الصين حتى السياسة والحروب لها حكماء يفكرون ويخططون، فالحكيم (سون تسي) يقول إن استراتيجياته الحربية يمكن تقصيها في الحرب ضد العراق في العام 2003 فهو القائل (إن فن الحرب يعادل فن البقاء). ويروى أن الأمير (شيوان) حاكم مملكة «تشي» كان رجلاً مستنيراً يحب العلم، واشتهر بأنه تزوّج من امرأة قبيحة لكنها متقدة الذكاء وكانت تسانده وتهيئ له أجواء الاتصال بالمثقفين والخبراء والعلماء، وقدّم لهم مقوّمات البقاء في مملكته؛ فكانوا يأتون لإلقاء المحاضرات وإقامة الندوات، وكان يخصص لهم الإقامة والطعام والمعونات الحكومية دون أن يستفسر عن أصولهم وخلفياتهم، وكانوا يتجادلون ويحاورون في الندوات ويكتبون الكتب لشرح وتفسير مبادئهم ومذاهبهم، ولكن لم يستمرّ هذا الوضع طويلاً لأنّ الممالك الأخرى كانت في حالة حرب دائمة، فأُحرقت من بعده الكتب الروحية وكل مجموعات الشعر وكلاسيكيات المدارس الفكرية ماعدا كتب الطب والتنجيم والزراعة، وعندما أتى الإمبراطور (وو) اتخذ الكونفوشيوسية مذهباً رسمياً للدولة واعتبر المدارس الأخرى كالطاوية والشرائعية مذاهب منشقة ومهرطقة. ورغم سياسات القهر والقمع التي مرت بها الصين، فإن تعاليم كونفوشيوس بقيت صامدة ومساهمة في تشكيل واحدة من أعظم الحضارات في العالم، فقد دعت إلى التزام الأخلاق الحسنة والعناية بالعائلة ورعاية الأجيال، هذا مما ورد في كتاب «الحكماء يتكلمون» وهي سلسلة من مجموعة كتب تضم أقوال حكماء الصين ومفكريها، الذين نثروا في كلّ بقعة من بقاعها الشاسعة روائع الحكم، يقول كونفوشيوس: لو قال كل إنسان ما يفكر فيه بصدق فإن الحوار بين البشر يصبح قصيراً جداً، ومن يتكلم دون تواضع سيجد صعوبة في جعل كلماته مسموعة، وليست العظمة في أن لا تسقط أبداً؛ بل العظمة أن تنهض كلما سقطت. ويقول: الرجل النبيل معتدل في أقواله، لكنه يتخطى ذلك في أعماله، ومن يرى الصواب ولا يفعله فهو جبان.