يعد تعديل الاتجاهات أحد المداخل الرئيسة لتعديل السلوك الإنساني، لكون الاتجاهات لها دور مباشر في تحديد وجهة السلوك ونوعيته ودرجة شدته وضعفه وثباته وتغيره. ولذلك يركز علماء النفس على أهمية إعداد البرامج الموجهة نحو تعديل بعض الظواهر السلوكية السلبية، أو تعزيز السلوكيات الإيجابية من خلال التركيز على الاتجاهات التي تنطلق منها هذه السلوكيات. وأول وظيفة يمكن أن تحققها الاتجاهات تتمثل في كونها تعبر عن الهوية وتحافظ على الخصوصية وتحمي الشخصانية التي تميز الأفراد عن بعضهم داخل المجتمع الواحد مثلما تميز المجتمعات، وأيضاً الأفراد الذين ينتمون إليها عن بعضهم بعضاً. وبذلك تصبح هذه الاتجاهات أداة للتنبؤ بسلوكيات أصحابها وتحديد مواقفهم المسبقة من كثير من الأحداث والمواقف والظواهر. فعقائد الناس من أهم مكونات اتجاهاتهم، ولذلك قيل إن الاتجاهات تتسم بدرجة عالية من الاستقرار من أنها تظل نسبية، مقارنة بثبات الأديان والعقائد. وتسهم الاتجاهات في تعزيز الأنماط السلوكية الإيجابية والكف عن أنماط السلوك السلبي. فالأفراد ذوو الاتجاهات المقبولة مجتمعياً في بيئاتهم يتوقعون الخير والمعاملة الحسنة، بخلاف الأفراد الذين يتمردون على مجتمعاتهم أو تكون اتجاهاتهم غير منسجمة مع توجهات البيئة المحيطة بهم. وللاتجاهات وظيفة مهمة في ضبط النفس ومنعها عن أهوائها وترشيد السلوكيات والعلاقات التي تربط الأفراد بغيرهم. أما القيم فتعرف عند بعضهم على أنها مفهوم تجريدي يميز الأفراد والجماعات وفقاً لما هو مرغوب فيه لديهم. والمرغوب فيه هو ما ينبغي أن يكون حسب معايير الفرد والجماعة التي يتوحد معها. أما الرغبات الشخصية والأهواء الذاتية فقد تتنافى أحياناً مع ما ينبغي أن نرغب فيه، ولذلك يكون المرغوب فيه هو الموجِّه للسلوك الأفضل والأصوب والأكفأ، وتمثل النهايات التي تتجه نحوها رغباتنا واتجاهاتنا، ومن هنا تأتي القيم كمؤثر وضابط وموجِّه للسلوك. وتتباين وجهات النظر التي تُطرح حول مصدر القيم وكيفية اكتسابها، لكن تبقى القيم شعوراً ذاتياً وتقديراً شخصياً يستمده الإنسان من خصائصه ومعتقداته وخبراته، وتختلف في تفسيرها للكيفية التي يدرك بها الإنسان القيم وطريقة اكتسابها، التي تكون في الأغلب من الآخرين عن طريق التنشئة والتعامل والتفاعل معهم. فالجماعات والمجتمعات هي التي تحدد للأفراد ما هو قيِّم وما هو عديم القيمة، وهي التي تعلم أعضاءها كيفية الحكم على الأشياء والمعاني. وتصنف القيم بطريقة مختلفة، فمن حيث الثبات والاستقرار هناك قيم دائمة تتناقلها الأمم والمجتمعات عبر أجيالها، وقيم مؤقتة أو عابرة كتلك المتعلقة بالأمزجة وبالظروف الاستثنائية أو التي تستورد من الخارج التي سرعان ما تزول بزوال الظرف أو المرحلة، ومن الطبيعي أن يؤدي تراجع وتقادم بعض القيم إلى إحلالها بالقيم الجديدة التي يتبناها المجتمع أو تتبناها المنظمات أو تلك التي تقرُّها الإنسانية والمجتمع الدولي وتحظى بإجماع وتأييد قطاعات المجتمع المدني وقياداته. كتلك المتعلقة بالإنسان وبالمساواة والعدل والوحدة والمشاركة وقيم النزاهة والأمانة وحب الوطن والولاء له والحفاظ على المال العام والوقت العام وعلى إتقان العمل والإبداع والابتكار وغيرها كثير. ومن أوجه الاختلاف بين القيم والاتجاهات أن القيم لها صيغ وتعبيرات عامة وشاملة تسود بين أعداد كبيرة من الناس، أما الاتجاهات فتتسم بالخصوصية لكونها تختلف من فرد لآخر. لكن هذه الاختلافات بين القيم والاتجاهات لا تنفي العلاقة بينهما، فهما مكملان لبعضهما ولا يفهم أحدهما دون الآخر. فكل اتجاه يكون عادة مصحوباً بقيمة، وكل قيمة تنبع عنها بعض الاتجاهات. والأهم من كل ذلك هو أنهما يشتركان معاً في تحديد وجهة السلوك والتصرف الإنساني. ومن هنا لم تغفل (رؤية المملكة العربية السعودية 2030) التي طرحها ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله- بتعزيز الوحدة الوطنية وترسيخ القيم العربية والإسلامية الأصيلة. وإن أرضنا عُرفت -على مر التاريخ- بحضاراتها العريقة وطرقها التجارية التي ربطت حضارات العالم بعضها بعضاً، مما أكسبها تنوعاً وعمقاً ثقافياً فريداً. كما تبرز الرؤية هويتنا الوطنية من خلال غرس المبادئ والقيم الوطنية، والعناية بالتنشئة الاجتماعية وتنظيم الأنشطة المعززة لهذا الجانب. وستعمل الرؤية من خلال المؤسسات التعليمية على استحداث مجموعة كبيرة من الأنشطة الثقافية والاجتماعية والتطوعية والرياضية، وذلك من أجل ترسيخ القيم الإيجابية في شخصيات أبنائنا الطلاب وإكسابهم المعارف والمهارات والسلوكيات الحميدة، والقدر الكافي من الوعي الذاتي والاجتماعي والثقافي المتين، وبناء شخصية مستقلة تتصف بروح المبادرة والمثابرة والقيادة لبناء جيل واعد يكون داعماً ومسانداً لتنمية وطنه. ولذ فإننا نرى أن على الجميع من أفراد وأسر ومؤسسات دوراً كبيراً وبالغ الأهمية في ترسيخ حب الوطن والانتماء إليه والاعتراف بفضله والوفاء له، إضافة إلى الحرص الأكيد على إدامة موجوداته الحضارية ومعالمه الطبيعية وقيمه العظيمة جميلة لافتة وبما يؤهلها للبقاء للأجيال المقبلة، متطلبةً مشاركة الجميع بإخلاص صادق وحماس نابع من القلب وبدافع ذاتي عن الحب الذي تكتنزه القلوب لهذا الوطن الشامخ.