ينطلق مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني، وبالتحديد وحدة استطلاعات الرأي العام، وفق منهجية جديدة للمشاركة الفعلية والفاعلة في إجراء الدراسات الاستطلاعية على عديد من القضايا التي تهم الوطن والمواطن، وأعتقد أن ذلك من صميم عمل هذا الجهاز، والمشاركة في إيجاد الحلول العلمية لعديد من قضايانا المزمنة، إن صح التعبير، ومن أهم وأطول تلك القضايا التي أقضَّت مضاجع غالبية الناس: أزمة السكن والقروض العقارية، وإيجاد منزل لكل مواطن. فالسكن يعتبر الركيزة الأساسية لكل أسرة، ويوفر لها الأمان، وحينما يتوفر السكن الملائم ربما تُحل عديد من قضايا الأسر السعودية. نعلم جميعاً ما تقدمه الدولة، رعاها الله، لإيجاد الحلول، ودعم مسيرة صندوق التنمية العقاري ووزارة الإسكان، وهي تسعى جاهدة إلى طرح عديد من البرامج الهادفة إلى إيجاد حلول فعلية لهذه الأزمة، وقد ساهم الصندوق العقاري في التنمية وحل هذه المشكلة بدليل تضاعف رأسماله ليصل إلى أكثر من 180 مليار ريال، وعلى الرغم من الزيادة السكانية لمواطني المملكة العربية السعودية إلا أن الصندوق ووزارة الإسكان يجاهدان عبر وضع برامج للحد من أزمة السكن، وتقليصها، ومنع تفاقمها، لكن هناك أمور تقف عائقاً أمام إتمام «العملية الجراحية»، وتفعيل بعض البرامج، ومن أهم تلك المعضلات والمعوقات، كما جاءت في الدراسة آنفة الذكر، تعثر بعضهم في سداد قروضهم ما يُسبِّب التأخير، وقد بلغ إجمالي القروض المتعثرة 29 مليار ريال، هذا المبلغ يكفي لبناء أكثر من 58000 وحدة سكنية، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على حجم الأزمة الكبير، ولو تفاعل المواطنون مع تلك الحلول، والتزموا بالسداد لاستفاد غيرهم من أسمائهم، ولتمكن الصندوق من السير قُدماً في تنفيذ برامجه وتحقيق أهدافه! لم يقف الصندوق دون حراك فقد وضع آليات تسهم في عملية السداد وتحصيل المبالغ، وبالتالي رفع عدد المستفيدين منه بحيث يتم تدوير القروض على أكبر عدد ممكن من المواطنين. وقد اتبعت الدراسة إجراءات منهجية تتمحور حول آراء واتجاهات المواطنين حيال القروض المتعثرة، وشملت جميع مناطق المملكة الإدارية ال 13، وتم اختيار عيِّنة بطريقة عشوائية من الذكور والإناث الذين بلغت أعمارهم، أو زادت عن 15 سنة، واعتمدت على منهجية المقابلة الهاتفية مع أفراد العيِّنة المستهدفين، وذلك عن طريق مركز الاستطلاع الهاتفي الخاص بمركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني. وقد تبيَّن من النتائج، أن حوالي 17 % من المستفيدين من قروض الصندوق لا ينتظمون في السداد، وأن 35 % من أفراد العيِّنة يرون أن القروض العقارية «هبة» من الدولة، أو حق مكتسب للمواطن لا يستوجب السداد! وفي هذا أنانيةٌ ربما تكون في غير محلها، فما ذنب الآخرين إن لم يستطع بعضهم الإيفاء بالتزاماتهم، كما أن الكل من حقهم الاستفادة من تلك الهبة المزعومة، ثم ألا يؤثر هؤلاء على امتلاك غيرهم منازل خاصة بهم؟ فعدم سدادهم قروضهم يضيِّع الفرصة على أسر أخرى تسعى إلى إيجاد منزل خاص بها منتظرة دورها كما انتظره هؤلاء سابقاً، ولكن المفرح في الدراسة أن 91 % من العيِّنة يرون أن القروض من العقود التي يجب شرعاً الوفاء بها، وهذا أمر إيجابي، فنحن جميعاً نعيش في وطن واحد ونعاني من نفس الأزمة، لذا يفترض، وهذا هو المنطق، أن نتعايش ونتساعد ونجسِّد المعنى الحقيقي للحمة الوطنية، والتوافق والتعاضد، وألا تطغى علينا الأنانية والفردية، فلا يمكن للصندوق ولا حتى لوزارة الإسكان الوفاء بوعودهما ما لم يتجاوب المواطن معهما، ويكون ركيزة أساسية في هذه الحلول، بل الركيزة الأولى في عملية التنمية. وفي هذا الصدد أتَّفق مع معالي الوزير حين قال إن أزمة السكن هي أزمة فكر، فهي فعلاً كذلك، فلو تمعَّن الجميع في المعنى الحقيقي لكلمة فكر، لما كتب مَنْ كتب، ولا غرَّد مَنْ غرَّد استياءً من هذه الكلمة، فهي فعلاً أزمة فكر، وتشمل عديداً من الأوجه والتفسيرات الإيجابية، ففي سعي المواطن الصالح لنفسه ولأخيه «فكرٌ» بألا يبالغ في تحديد مساحة منزله، وتكاليف بنائه، كما أن في مشاركته في عملية التنمية «فكرٌ» أيضاً! نعود إلى الدراسة، حيث جاءت التوصيات بضرورة إلزام المقترضين بآلية الاستقطاع الشهري من الرواتب، هذا إلى جانب ربطهم إلكترونياً بالبنوك، وبهذا نكون فعلاً قد شاركنا في عملية البناء والتنمية وحققنا مقولة المواطن الصالح.