هل سلطة القبيلة على الفرد أقوى من سلطة القيم والمبادئ مثل العدالة والمساواة؟ سؤال أطرحه اليوم أمام القرّاء طمعاً في الحصول على إجابة عبر تحليل الواقع وقراءة علاقة الفرد بقبيلته، بهدف الكشف عمّا قد تحمله هذه العلاقة من إيجابيات، ومحاولة التصدي لما تفرزه من سلبيات باتت كالسوس الذي ينخر في بنية المجتمع فيهدر ثروته ويقوض مقوماته. ولا أقصد هنا القبيلة بالمعنى الحرفي للكلمة، بل أعني بهذا كل انتماء، سواء كان جغرافياً أو عرقياً أو مذهبياً. وعلى الرغم من أن الانتماء للقبيلة يعزز قيماً اجتماعية حميدة كالكرم والتعاون، إلا أنه يعزز في المقابل صفات أخرى سلبية تخترق لحمة المواطنة، كالانحياز والفزعة تيمناً بالمثل القائل “أنا واخوي على ولد عمي .. وانا وولد عمي على الغريب”، بشكل يغذي مبدأ التحيز والواسطة إلى الحد الذي بات معه هذا الأمر مقبولاً يتباهى به الأبناء بين زملائهم والنساء بين مثيلاتهنّ والرجال بين بني قبيلتهم. ودونما وعي نشهد ممارسة القبيلة لعامل الضغط النفسي على كل من تسول له نفسه رفض قيمها، ومنها الواسطة لبني العمومة والأهل والأقرباء، فتنعته بأسوأ الصفات والأسماء وتسقطه من مرتبة الرجال المحترمين. ونظراً لما يمثله عامل الانتماء للقبيلة من أولوية لدى الفرد في مجتمعنا، فإن الغالبية ترضخ وتستسلم لسلطة القبيلة حتى لو خالفت المبادئ والقيم الأساسية من العدل والمساواة، وتتخذ لنفسها مبررات ومسوغات واهية. ولا يفلت منها إلا القلة القليلة التي اتخذت لنفسها موقفاً قوياً صارماً ينبع من شعور قوي بالمواطنة الحقّة، وصلابة في المبادئ تمكن الفرد من العيش مستقلاً حتى لو أغضب عائلته وقبيلته، لأنه يستقي قوته من إيمانه بمبادئه وحرصه على وطنه وخوفه من الله.