تقع المملكةُ العربيَّة السعوديَّة بين درجتي العرض 16-32 شمالَ خط الاستواء غرب قارة آسيا ضمنَ النطاق المداريِّ الجاف في الصحارى الحارَّة؛ وهذا يعني أنَّ حرارةَ صيفها ترتفع لِمَا قد يقارِبُ 50 درجة مئويَّة في وسطها وشرقها وشمالها، ولا يختلف عنها العراقُ في جنوبِه ووسطِه وغربِه، ولا سوريَّا في شرقِها؛ حيث تمتدُّ باديةُ الشَّام بينهما، بل وربَّما ارتفعت الحرارة فيهما لتتجاوزَ 55 درجة مئويَّة، وفي لهيب هذا المناخ الصحراويِّ الجاف ينبغي أن نتذكَّرَ نعمةَ الله على الإنسان الذي تتوفَّر له الكهرباء فينعم بتكييف مسكنه وبتبريد مياه شربه وبحفظِ مواده الغذائيَّة، وبتكييف وسائل مواصلاته ومكاتبه ومواقعَ يعمل فيها، إضافة إلى تيسير احتياجاتِه الحياتيَّة الأخرى، ولكنَّ الإنسان لا يتذكَّر نعمةَ الكهرباء إلَّا إذا افتقدها أو وقف مع نفسه مقارناً صيفاً حياتَه بحياة مفتقديها. ولا أحسب أنَّ من تجاوز سنَّ الخمسين من مواطني بلادنا إلا ويتذكَّر أيَّاماً عصيبة في أواخر عقود القرن الهجريِّ الماضي؛ حين كان انقطاع الكهرباء عن منازلهم وضعاً شائعاً، أو أنَّها لم تصلها حينها، وهذا سيذكِّرهم بالجهود الكبيرة التي بذلها الوطن لتعميم نشر الكهرباء وبتعرفةٍ مناسبة مدعومةٍ حكوميّاً فجعلتْها نعمةً في متناول جميع فئات الشعب لينعموا بحياةٍ معاصرة كما ينعم بها سكَّانُ الدول المتقدِّمة، ولا أظنُّ المواطن المعاصر لتلك الفترة العصيبة قبل عام 1396ه إلا وسيتذكَّر أيضاً صاحبَ المعالي الدكتور غازي القصيبي – رحمه الله – وزير الكهرباء والصناعة آنذاك، الذي استطاع بجهوده ومثابرته وبتخطيطه ومتابعته وبدعم سخيٍّ من الحكومة أن يوصلَ الكهرباء لكلِّ منزلٍ ولكلِّ مزرعةٍ ومنشأة حكوميَّة وأهليَّة في الجبال والسهول والقفار، وبفترة وجيزة من عمر التنمية السعوديَّة. لذلك سأدعو شبابنا الذين لم يعاصروا تلك الفترة العصيبة التي مرَّ بها الكهول والشيوخ بأن يقارنوا بين ما يتمتَّعون الآن به في بلادهم من توفُّر نعمة الكهرباء وبتعرفةٍ تجعلها في متناول جميع المواطنين أيّاً كانت مواقعهم من وطنهم، فليقارنوا صيفاً بين حياتهم وبين حياة من تنعدم عندهم الكهرباء أو تتقطَّع ساعات الذروة أو لأيّامٍ أو دائماً، أولئك الذين نتابع مآسيهم في مدن عراقيَّة وسوريَّة وفي مخيَّمات لاجئيهم ونازحيهم، وليتصوَّروا حال أولئك مع درجات الحرارة التي قد تتجاوز 50 درجة مئويَّة، عندها أجزم بأنَّ المقارنين والمتصوِّرين لذلك سيدركون نعمةَ الكهرباء، وأنَّهم إذا ما استبانوا بالمقارنة مع غيرهم أوضاعهم، وتبيَّنوا قدر الدعم الحكوميِّ لإنتاج الكهرباء ونقلها وتوزيعها سيحافظون على هذه النعمة لهم ولمواطنيهم الآخرين فيرشِّدون استهلاكهم. لقد حذر اختصاصيُّون من خطورة استمرار معدَّلات استهلاك النفط الحاليَّة لتوليد الكهرباء وتحلية المياه البالغة وفق إحصاءاتها نحو 4.2 مليون برميل نفط مكافئ يوميّاً، والمتوقع زيادتها لتصل 9.5 مليون برميل نفط مكافئ يوميّاً عام 2035م، فنبَّهوا إلى أنَّه يترتَّب على ذلك خسارة الوطن لإيراداتٍ بنحو 800 مليون ريال يوميّاً، فالنمو الاقتصاديُّ الكبير في بلادنا أدَّى إلى ارتفاع الطلب على الكهرباء بمعدَّل 9% سنويّاً؛ ممَّا دفع بالشركة السعوديَّة للكهرباء للتَّوسِّع في عمليات توليد الكهرباء ونقلها وتوزيعها، فارتفعت قدرات توليد الطاقة الكهربائيَّة المتاحة من 25.000 ميجاوات عام 2000م إلى 50.000 ميجاوات عام 2010م، أي بزيادة قدرها 100 % خلال عشر سنوات فقط، فليقدِّر مستهلكو الكهرباء هذه الجهود بترشيد استهلاكهم. ولقد كشف المركزُ السعوديُّ لكفاءة الطاقة أنَّ بلادنا سجَّلتْ نسباً مرتفعة للغاية في استهلاك الطاقة الكهربائيَّة، فبلغ متوسِّط استهلاك الفرد في المملكة ضعف متوسِّط الاستهلاك العالميِّ، فوصل معدَّل استهلاك الفرد عام 2012م إلى 8,23 ميجاوات ساعة، بمعدل زيادة سنويَّة وصل إلى 0.5 %؛ ولذلك تواجه بلادنا تحدِّياً كبيراً في تخفيض نسب الاستهلاك المرتفعة للطاقة ساعيةً لتعزيز مفهوم الترشيد وتوسيع دائرته، إلا أنَّها في ذات الوقت تولي رفاهية المواطن جلَّ عنايتها واهتمامها، وتؤكِّد على استمراريَّة التطوُّر الصناعيِّ والتجاريِّ المتنامي فيها، وأوضح المركزُ أنَّه يعمل بشكل حثيث على وضع برامج وآليَّات تستهدف الحدَّ من سوء استهلاك الكهرباء في بلادنا في صوره المتعددة، لتشمل تعديل مواصفات الأجهزة الكهربائية المنزليَّة وأجهزة الإضاءة، ولتشترط استخدام العزل في المباني، ووفقاً لمختصِّين في المركز فإنَّ تبني المواطن تغييرات في عاداته اليوميَّة كإطفاء الإنارة غير الضروريَّة، وإيقاف أجهزة التكييف بمغادرة المكان، وإيقاف تشغيل الأجهزة تماماً عندما لا تكون قيد الاستعمال، وكاستخدام المصابيح والأجهزة الكهربائيَّة الموفِّرة للطاقة، واستخدام الكهرباء عموماً بقدر الحاجة لها، كلُّ ذلك سيؤثِّر إيجابيّاً بتوفير الكهرباء وترشيد استهلاكها. فلقد أثبتتْ الدراساتُ المتخصِّصة أنَّه يمكن تخفيض استهلاك الكهرباء في المنازل بنسبة تزيد على 30 %؛ ولذلك يسعى المركزُ السعوديُّ لكفاءة الطاقة بمساندة أكثر من عشرين جهةٍ حكوميَّة وأهليَّة إلى حثِّ المواطنين على تبنِّي مفهوم كفاءة الطاقة وترشيد الاستهلاك في جميع سلوكيَّاتهم الحياتيَّة وجعلها نمطاً مستمراً؛ لأنَّ مفهوم كفاءة الطاقة والترشيد لم يعد ترفاً، بل ضرورة ملحَّة لضمان استمرار الطاقة الكهربائية بأسعارٍ منخفضة، وللمحافظة على مصادر توليدها الأوليَّة من النفط والغاز من النضوب؛ وحيث يحتاج المستهلك للمعرفة الواعية بأساليب ترشيد استهلاك الكهرباء وبأنَّ ترشيدها سيوفِّر له ماله وسيوفِّرها لمستهلك آخر، فإنَّ على الشركة السعوديَّة للكهرباء أن تبعثَ برسائل توعية للمستهلكين للكهرباء من خلال هواتفهم المحمولة مع إشعارات فواتير استهلاكاتهم، والتوعية بوسائل الإعلام المقروءة والمرئيَّة، ومن خلال جهات التَّواصل الاجتماعيِّ، وتحذيرهم أيضاً لتفادي الالتماسات الكهربائيَّة الناتجة عن سوء الاستخدام الكهربائيِّ بزيادة الأحمال أو باستخدام توصيلات أو أجهزة كهربائيَّة ذات مواصفات جودةٍ متدنية.