السعودية دولة محبة للسلام، لا تحب التدخل في شؤون الآخرين، لكنها إذا اضطرت لاستخدام القوة فإنها لن تتراجع، وقد قالها بكل وضوح وزير الخارجية السابق الأمير سعود الفيصل – رحمه الله «لسنا دعاة حرب، ولكن إذا قرعت طبولها فنحن لها». لهذا فهي تصبر وتتحمل الصعاب، ولا تكون ردود أفعالها سريعة يغلب عليها الطابع الانفعالي، ومن يتأمل كلمة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود مؤسس المملكة العربية السعودية يعرف طبيعة هذه الحكومة التي جعلت منها الصحراء صابرة بثبات وشامخة برويّة؛ حيث يقول «إني جعلت سنتي ومبدئي ألا أبدأ أبداً بالعدوان، بل أصبر عليه وأطيل الصبر على من بدأني بالعداء، وأدفع بالحسنى، ما وجدت لها مكاناً، وأتمادى في الصبر حتى يرميني القريب والبعيد بالجبن والخوف، حتى إذا لم يبق للصبر مكان ضربت ضربتي، وكانت القاضية»، فعلى ضوء هذا الكلام يستطيع المرء أن يفهم كثيراً من أسرار السياسة السعودية الخارجية التي اختطها الملك المؤسس، وسار عليها أبناؤه الملوك من بعد، حتى يخيّل للرائي والمتابع أن ما قاله الملك المؤسس عن نفسه أو سياسات حكومات المملكة المتعاقبة «وأتمادى في الصبر حتى يرميني القريب والبعيد بالجبن والخوف»، وهذا الكلام مؤشر واضح وصريح بأن موقفه عزيز، فلا يغضب بسهولة ولا يرضى بكل بساطة، بل يكون رضاه كريمًا وغضبه عزيزًا على نفسه، ومن يتابع مجريات الأحداث والمواقف التي تتخذها الحكومة السعودية سيكتشف بأنها تنطلق من هذه المقولة التي أطلقها الملك عبدالعزيز – رحمه الله – كميثاق شرف، ومبدأ من مبادئ السياسة السعودية الخارجية، عرفها من عرفها، وجهلها من جهلها. هذا ما دعاني للبدء بهذا الكلام، وأنا أتابع كلمة الأمير تركي الفيصل الرئيس الأسبق للاستخبارات السعودية في المؤتمر الذي عقدته المعارضة الإيرانية في العاصمة الفرنسية باريس، فقد أوضح أن العرب يحترمون الشعب الإيراني للدور الذي قدمته الثقافة الفارسية من إسهامات حضارية إسلامية وعالمية، لكن حكومة الملالي في طهران تحرص على نشر الفوضى والدمار في دول الجوار من خلال دعمها الدؤوب للمنظمات الإرهابية، فالجميع يعرف دورها المشين في لبنان والعراق وسوريا واليمن، ودعمها المباشر اللا محدود للجماعات الإرهابية، وهذا ما كشف عنه الأمير بأن «نظام الخميني لم يجلب سوى الدمار والطائفية وسفك الدماء ليس في إيران فحسب، وإنما في جميع دول الشرق الأوسط»، لهذا لا غرابة أن يعلنها الفيصل بكل وضوح وجرأة، مؤيدًا للمعارضة الإيرانية «هذا الإعلان يعتبر تأييدا لمطالب الشعب الإيراني التي عبرت عنها منظمة مجاهدي خلق منذ عقود وناضلت وتناضل من أجلها منذ ظهور نظام الملالي»؛ لأن إيران زرعت المشكلات وأشعلت النيران في كل المنطقة، فكان من الواجب واللازم على الجميع أن يقفوا مؤيدين لحق الشعب الإيراني في ضرورة التخلص من هذا النظام الطائفي. لقد طال الصمت على ما تفعله حكومة الملالي الطائفية في طهران، وجاء الوقت لنصرة الضعفاء والأقليات من طوائف الشعب الإيراني المختلفة، كما أعلنها الأمير تركي «وفيما يتعلق بحقوق القوميات، ينص البرنامج السياسي للمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية المعتمد منذ عام 1981 على الاعتراف بهوية ووجود القوميات المختلفة ولغاتهم وثقافاتهم ومنحهم الحكم الذاتي في إطار إيران ديمقراطية»؛ لأن نظام الحكم في إيران يقف حائلاً حيال تحقيق مثل هذه المطالب الإنسانية المشروعة، وذلك لأن نظام ولاية الفقيه منح نفسه صلاحيات مطلقة وقام بعزل إيران إسلاميًّا ودوليًّا، فكان الشعب الإيراني أولى ضحايا هذه العزلة التي ملأت جيوب الملالي من أموال الضعفاء باسم الدين، غير آبهين بأحوال المستضعفين من أبناء الشعب المسحوق جرّاء سياساتهم الجائرة. إن العبارة التي صرح بها الفيصل الداعمة لانتفاضة الشعب الإيراني خير دليل على تزعزع الأمن في هذا البلد «الانتفاضات في أنحاء إيران اشتعلت، ونحن في العالم الإسلامي نقف معكم قلبا وقالبا، نناصركم وندعو الباري أن يسدد خطاكم»، كما أنها نذير شؤم على الظالمين المستبدين العابثين بمصالح شعبهم وشعوب المنطقة، الذين تباهوا باحتلال أربع عواصم عربية، وذلك من خلال توفير ملاذات آمنة للخارجين على حكوماتهم من المتمردين وشُذّاذ الآفاق، الذين يعملون بالأجرة ويغررون بضعفاء العقول والنفوس من أجل نشر ثقافة الدمار والفوضى بين البلاد والعباد.