كلنا يعلم أنّ صلة الرحم من المكارم التي حث عليها ديننا الراقي الحنيف، فقد دعا الله عباده بصلة أرحامهم في تسع عشرة آية من آيات الكتاب الحكيم، وأنذر من قطع رحمه باللعن والتنكيل في عدد من الآيات، ولهذا دأب سلف الأمة الصالح على صلة الرحم، بالرغم من مشاق الحياة، وصعوبة التنقل فيها، وعدم وجود وسائل كالموجودة عندنا الآن من هواتف وبريد عادي وإلكتروني، بالرغم من ذلك فإن تقصيرنا في هذا الأمر ظاهر واضح وجلي. إن الواحد منا قد يشد الرحال إلى بلد للسياحة، أو يقطع آلاف الأميال ويجلس حبيساً في كرسي الطائرة لساعات طويلة، ولكنه يتكاسل ويتثاقل عن زيارة أحد أرحامه وهو في نفس منطقته أو المدينة التي يقيم فيها! إن الواحد منا لا يجد غضاضة في توفير الوقت لأصحابه وندمائه، فإذا سئل عن أرحامه، احتج بكثرة أشغاله وأعماله! والرسول صلى الله عليه وسلم قال: (من سره أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه). إن السبب الرئيسي في انشغالنا عن صلة أرحامنا، وعن زياراتنا العائلية، هو سوء إدارة أوقاتنا، وعدم تنظيمها، وأيضا غفلتنا عن هذا الجرم عظيم الذي يقع من قاطع الرحم، ذلك مع كثرة الانشغال بحطام الدنيا.تفحص معي هذا الأثر، علك تفيق من غيبوبتك، ولا تنس حق أسرتك، حيث قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (إن رجلاً زار أخاً له في قرية، فأرصد الله على مدرجته ملكاً، فقال: أين تريد؟ فقال: أريد أخاً لي في هذه القرية، قال: هل له عليك من نعمة تربها؟ قال: لا إلا أني أحبه في الله، قال: إني رسول الله إليك، أن الله تبارك وتعالى أحبك كما أحببته).فالواجب على العاقل تعاهد زيارة الأرحام والإخوة، وتفقد أحوالهم، لأن الزائر في قصد الزيارة يشتمل على مصادفة معنيين، أحدهما الذخر الآجل، وقد قال بعض الأقدمين: إذا زار أخا له في الله لم يبق في السماء ملك إلا حياه بتحية مستأنفة لا يحييه ملك مثله، ولم تبق شجرة من شجر الجنة إلا نادت صاحبتها، إن فلان بن فلان زار أخا له في الله. المعنى الثاني: الترويح بالمؤانسة مع الأخ المزار، فتكون الغنيمتان معاً. وما ينسحب على الرجال، ينسحب أيضا على النساء، من زيارة الأم والأخوات والصديقات، وليس في ذلك من مشاحة، فقد كان لعائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، مجلس نسائي كما جاء في حديث أم زرع، لكن ننصح بألا يتحول مجلس الزيارة إلى ملتقى نميمة.