ربط وزير داخلية العراق، محمد الغبان، بين استقالته التي قدَّمها أمس و»تقاطُع الصلاحيات الأمنية»، فيما وجَّهت الأممالمتحدة اتهاماتٍ إلى مليشيا «كتائب حزب الله» العراقية بارتكاب انتهاكاتٍ واسعةٍ في الفلوجة. وأعلن وزير الداخلية تقديمه استقالته إلى رئيس الوزراء، حيدر العبادي، بعد يومينٍ من تفجير حي الكرادة الدامي الذي أودى بحياة أكثر من 200 شخص في وسط بغداد. وأرجع الوزير تخليه عن منصبه إلى «تقاطُع الصلاحيات الأمنية وعدم التنسيق الموحَّد للأجهزة». وأكد خلال مؤتمرٍ صحفي «أتحمل كافة مسؤولياتي الدستورية ولا أتنصل منها، لكن بشرط أن تُعالَج هذه الأمور التي هي خللٌ أساسي، لا يمكن أن نمضي بمنظومة الأمن بهذه الأوضاع وبهذا الخلل الموجود». واعتبر الغبان أنه لم يجِد الاستجابة المناسبة. ودعا إلى إصلاح منظومة الأمن إصلاحاً حقيقياً «وليس مجرد كلام وليس مجرد سحب الأجهزة (كاشفات المتفجرات)»، متسائلاً «ما هي فائدة سحب الأجهزة وما هو البديل من دونها»؟. وكان حيدر العبادي قرر توقيف العمل بكاشفات المتفجرات غير الفعالة واستبدالها بأخرى فعالة عند مداخل العاصمة والمحافظة. لكن الوزير المستقيل تحدث عن «خلل بنيوي في كل موضوع المنظومة الأمنية ومنها السيطرات». ووصفَ السيطرات الأمنية في بغداد ب «غير مفيدة إطلاقاً». وأبان أن «السيارة المفخخة التي ضربت منطقة الكرادة كانت قادمةً من ديالى» على بعد 70 كيلومتراً شمال شرقيّ العاصمة. وشدَّد الغبان المنتمي إلى كتلة «بدر» النيابية «لا أستطيع تحمُّل مسؤولية الدماء ومسؤولية هذا الإرباك بهذه المنظومة الأمنية وأنا ماضٍ في موضوع الاستقالة وأرجو أن يوافق رئيس الوزراء عليها»، مُطالباً بتسليم الملف الأمني في بغداد والمحافظات إلى «الداخلية» على أن «تكون مسؤولية قيادة العمليات والجيش خارج المدن لتقوم بمهامها القتالية». واقترح في الصدد ذاته أن «تكون كل الأجهزة الاستخبارية الأخرى كالمخابرات والاستخبارات وما يتعلق بالأمن الداخلي تحت مظلة غرفة عمليات لتوحيد وتنسيق عمل الأجهزة الأمنية لتكون منظومة متكاملة»، مبيِّناً أنه أبلغ رئيس الوزراء أن «الاستمرار بهذا الخلل يؤدي إلى بقاء القصور الذي يدفع ضريبته المواطن البسيط من خلال العمليات الإرهابية». ومسؤولية أمن العاصمة تتحمله قيادة عمليات بغداد التي تقع تحت سلطاتها قوات من وزارتي الدفاع والداخلية. وبدأ العراق الإثنين حداداً وطنياً يستمر 3 أيام على ضحايا التفجير الانتحاري الذي نفذه تنظيم «داعش» الإرهابي في حي الكرادة المكتظ بالسكان فجر الأحد الماضي ما أسفر عن سقوط 213 قتيلاً على الأقل. وأثار الهجوم الانتحاري على الأرجح، موجةً غضبٍ شعبية، حيث اتُهِمَت الحكومة بعدم أداء واجبها في حماية المواطنين. وخلال الأسابيع الأخيرة؛ أعلنت الحكومة تحقيق قواتها المدعومة بميليشيات تقدماً في مواجهة «داعش»، لكنها تواجه صعوباتٍ في تأمين بغداد ما يُضعِف موقفها. ويُتوقَّع أن يكثِّف التنظيم الإرهابي اعتداءاته في العاصمة بعد 10 أيام من هزيمته في مدينة الفلوجة. وأكد المسؤول السابق في الاستخبارات الأمريكية، باتريك سكينر، أن «من المحتمل تنفيذ المزيد من الاعتداءات مع الأسف» لأنه «من الواضح أن الظروف ليست المثلى الآن». ولاحظ سكينر الذي يعمل حالياً مع مجموعة «صوفان» الاستشارية أن «حكومة العبادي كانت في أفضل الأحوال قادرةً بالكاد على السيطرة على الوضع الأمني». وبعد توجيه انتقادات حادة إليه؛ أعلن العبادي سلسلةً من التغييرات في التدابير الأمنية بعد تفجير الأحد الذي سلَّط الضوء على مشكلاتٍ أمنيةٍ مزمنةٍ أبرزها استخدام كاشفات متفجرات يدوية تم شراؤها من البريطاني جيمس ماكورميك. وحُكِمَ على ماكورميك في بلاده بالسجن 10 سنوات بدءا من عام 2013 لإدانته بالغش في قضيةٍ على صلةٍ بهذه الأجهزة. وأمر العبادي بالتوقف عن استخدام الكاشفات «المغشوشة» عند الحواجز، لكن أفراد الشرطة قالوا الإثنين إنهم لم يتلقوا أوامر بوقف استخدامها وأمكَن رؤيتها في أيديهم. وشمِلَت تعليمات رئيس الوزراء عدم استخدام أفراد الأمن الهواتف المحمولة عند نقاط التفتيش. لكن لم تُطرَح حلولٌ بعد لمشكلة تدني اليقظة بسبب طول فترة الخدمة على الحواجز. وطلب العبادي من وزارة الداخلية الإسراع في نشر أجهزة كشفٍ على مداخل العاصمة للمساعدة في التعرف على المتفجرات أو المواد المتفجرة. ودعا إلى التنسيق والتكامل في عمل القوات خارج مناطق القتال، ما أشار إلى ضعف التنسيق. وكان الغضب الشعبي زاد من إضعاف صورة العبادي الذي فشل في تغيير الوزراء وتطبيق إصلاحاتٍ سبق أن وعد بها. و»المشكلة السياسية الرئيسة الآن هي ضعف العبادي وافتقاده للمصداقية»، بحسب محلِّل المخاطر، كيرك سويل. فيما رأى الخبير في شؤون المنظمات الجهادية والباحث في منتدى الشرق الأوسط، أيمن التميمي، أن هناك عودة إلى الوضع السابق «وإلى الاعتداءات بالسيارات المفخخة هنا وهناك» و»هذا ما كانت البلاد تشهده في عام 2009 عندما مُنِيَ تنظيم القاعدة بهزائم». وبالتالي؛ يرى مراقبون في تفجير الكرادة مثالاً قاتماً على ما يمكن ل «داعش» القيام به وهو يُمنَى بهزائم. واعتبر سكينر أن «الاعتداء يندرج في إطار توجه أوسع للتنظيم الذي يتراجع من مشروع دولة إلى منظمة إرهابية، والكرادة مع الأسف تشكِّل مثالاً على ما يخبِّئه المستقبل». ميدانياً؛ أعلنت الحكومة أمس استعادة قواتها السيطرة على مجموعة من القرى الشمالية التي كانت تحت سيطرة «داعش»، ما قرَّب الجيش من قاعدةٍ جويةٍ قد يستخدِمها كمنصة انطلاقٍ لعملية استعادة مدينة الموصل. وأكدت وزارة الدفاع، في بيان لها، سيطرة القوات على كل القرى الواقعة في منطقة الحاج علي ووصولها إلى الضفة الشرقية من نهر دجلة على بعد نحو 60 كيلومتراً جنوبي الموصل. وذكر عميد في الجيش مشاركٌ في العمليات أنه تم طرد المتطرفين من 7 قرى في منطقة الحاج علي مساء أمس الأول وأنهم فرّوا في قوارب أو سبحوا في النهر. وأبان الضابط «مصادرنا داخل القرى أبلغتنا أن مقاتلي داعش بدأوا الإثنين الهروب من القرى بأعداد كبيرة» و»هدف الجنود الآن الحفاظ على مواقعهم على ضفة النهر وانتظار قوات أخرى تتقدم من الجنوب لتحاصر المقاتلين وتسيطر على قاعدة القيارة الجوية». والشهر الماضي؛ تقدمت القوات العراقية مدعومةً بضربات جوية من التحالف الدولي صوب بلدة نفطية شمالية قريبة من قاعدة القيارة التي تعتبر مهمة في التحرك نحو استعادة الموصل. إلى ذلك؛ نسبت الأممالمتحدة إلى ميليشيا «كتائب حزب الله» العراقية التي تقاتل إلى جانب القوات النظامية خطفَ 900 مدني وإعدام 50 على الأقل بعضهم بقطع الرؤوس وبعضهم بالتعذيب. وتحدَّث المفوض الأممي السامي لحقوق الإنسان، زيد بن رعد الحسين، عن أدلة قوية تفيد بارتكاب جماعة «كتائب حزب الله» العراقية فظائع بعدما أبلغت المدنيين في الفلوجة أنها جاءت لمساعدتهم. وجاء في بيانٍ للمفوض «يبدو أن هذا هو أسوأ هذه الحوادث – ولكن ليس أولها – التي تتعلق بميليشيات غير رسمية تقاتل إلى جانب القوات الحكومية». وحذَّر البيان من أن مزيداً من المدنيين قد يواجهون أعمال عنفٍ فظيعة مع استعداد بغداد لشن هجوم آخر ضد «داعش» في معقله في الموصل. ونقلاً عن شهود عيان؛ أفاد مكتب المفوض بأن مقاتلي «كتائب حزب الله» اقتربوا من قرية الصقلاوية قُربَ الفلوجة في الأول من يونيو الماضي واستدعوا السكان بمكبِّرات الصوت وقالوا لهم إن عليهم ألا يخشوا شيئاً. ورصد نحو 8 آلاف مدني، غادروا الصقلاوية أثناء الهجوم على «داعش»، هؤلاء المقاتلين، وأبلغوا المفوضية الأممية لحقوق الإنسان بمشاهدتهم وراء الأعلام العراقية أعلام ميليشيا يُطلَق عليها اسم «كتائب حزب الله». وأرسلت الميليشيا النساء والأطفال إلى مخيمٍ للنازحين بينما اقتادت الرجال والمراهقين إلى مجموعةٍ من المواقع. وطبقاً لشهود عيان؛ فإن الأشخاص الذين طلبوا شرب الماء «سُحِبوا إلى الخارج وأُطلِقَت عليهم النار أو خُنِقوا أو تعرضوا للضرب المبرح»، بحسب البيان الأممي. وجرى تقسيم الذكور المخطوفين إلى مجموعتين في ال 5 من يونيو حيث اقتيد 605 رجال وصبي إلى مخيماتٍ للنازحين. ووصف البيانُ مكان المجموعة الثانية التي ضمَّت نحو 900 رجلٍ وصبي ب «غير معروف». وأوضح زيد بن رعد الحسين أن السكان المحليين أعدوا قائمةً ب 643 صبياً ورجلاً مفقودين «ويُعتقَد أن 94 آخرين أُعدِموا أو عُذِّبوا حتى الموت بينما كانوا محتجزين لدى كتائب حزب الله». وتحدث السكان المحليون عن 200 شخص آخرين خُطِفوا ولا يُعرَف مكانهم. وصرَّحت نساءٌ في مخيم عامرية الفلوجة للنازحين، الشهر الماضي، بأنهن فقدن أبناءهن وأزواجهن وأقاربهن ولا يعلمن مكانهم. ولفت المتحدث باسم المفوض، روبرت كولفيل، إلى فتح حكومة العبادي تحقيقا «إلا أنه ليس لديّ أية معلومات حول التقدم المُحرَز». وشدَّد كولفيل، في بيانٍ له، إلى ضرورة «معاملة الأشخاص الذين فرّوا من تنظيم داعش بالتعاطف والاحترام وليس بالتعذيب والقتل على أساس أنهم ذكور أو إناث أو المكان الذي شاء حظهم أن يكونوا فيه عند وصول التنظيم». في سياقٍ مختلف؛ أُطلِقَت صواريخٌ مساء الإثنين على مخيمٍ للمعارضة الإيرانية قرب بغداد مما أدى إلى سقوط عددٍ من الجرحى، كما قال مسؤولون. وأعلن مسؤول عراقي أن مدنيين عراقيين جُرِحوا بعددٍ من هذه الصواريخ سقط خارج المخيم الذي يضم أعضاءً في منظمة «مجاهدي خلق» المعارِضة للنظام الإيراني. وأحصى معارضون إيرانيون من جهتهم أكثر من 40 شخصاً جُرِحوا داخل المخيم. وذكر الناطق باسم قيادة عمليات بغداد، سعد معن، أن «عدة صواريخ سقطت على مخيم ليبرتي». وأشار إلى 20 صاروخاً أُطلِقَت على المخيم من شاحنةٍ انطلاقاً من منطقةٍ واقعةٍ غربي العاصمة، مبيِّناً أن عدداً من المدنيين العراقيين لم يُحدِّده جُرِحوا عند سقوط عددٍ من هذه الصواريخ خارج المخيم. وأفاد المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، في بيانٍ له، بإصابة «أكثر من أربعين مقيماً في المخيم في الهجوم الصاروخي». ونسب المجلس إلى «ميليشيات مرتبطة بقوة القدس الإرهابية» إطلاق أكثر من 50 صاروخاً. وفيلق القدس هو القوة الخاصة بالعمليات الخارجية في الحرس الثوري الإيراني. أما مخيم ليبرتي فهو قاعدة أمريكية سابقة تستقبل منذ عام 2011 مئات من أعضاء منظمة «مجاهدي خلق». والمنظمةُ، التي أُسِّسَت عام 1965 لإسقاط نظام الشاه ثم نظام المرشد، طُرِدَت من إيران بعد ثورة 1979، وكانت على علاقةٍ جيدةٍ بنظام صدام حسين. لكن الاجتياح الأمريكي للعراق عام 2003 أسفر عن وصول قادةٍ على علاقةٍ جيدةٍ مع طهران إلى الحكم في بغداد. وبعد الانسحاب الأمربكي في عام 2011؛ تم نقل مئات من «مجاهدي خلق» إلى مخيم ليبرتي. وتتهم وزارة الخارجية الأمريكية هذه المنظمة بالمشاركة في قمعٍ وحشيّ لتمردٍ شيعي على صدام حسين في عام 1991، لكن المنظمة تنفي ذلك. وكان إطلاق صواريخ على المخيم أدى إلى سقوط 26 قتيلاً على الأقل في أكتوبر الماضي، بحسب أرقام الأممالمتحدة.