يضع تصويت البريطانيين لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي اقتصادَ بلادهم في مواجهة ضبابية شديدة تكتنف آفاق نموه، في وقتٍ قد تتضرر فيه اقتصادات أخرى في القارة وغيرها. ويُتوقَّع أن يكون للتصويت أثرٌ سلبي على النمو والجاذبية الاستثمارية في المملكة المتحدة على المدى القصير على الأقل، وقد يدفع البلاد نحو الركود. وقد يضطَرُّ بنك إنجلترا المركزي إلى خفض أسعار الفائدة إلى الصفر، في حين سيُختبَر مدى استعداد الدائنين لمواصلة تمويل عجز الموازنة. وستعتمد تداعيات التصويت على نوع العلاقة التجارية التي قد تدخل فيها لندن مع الاتحاد الأوروبي المساهم بنحو نصف صادرات المملكة المتحدة. والاقتصاد البريطاني هو خامس أكبر اقتصاد في العالم. النمو الاقتصادي وقبل الاستفتاء؛ نشرت حكومة ديفيد كاميرون وبنك إنجلترا المركزي ومؤسسات بحثية ومنظمات دولية مجموعةً من التوقعات تشير إلى تباطؤ أكبر سيصيب اقتصاد المملكة المتحدة إذا خرجت من الاتحاد الأوروبي مقارنةً بما سيشهده إذا بقِيَت. وحذر وزير المالية في حكومة كاميرون، جورج أوزبورن، من حدوث ركود. في الوقت نفسه؛ أفاد بنك إنجلترا بأن «تباطؤاً ملموساً» قد ينتج عن الخروج من الاتحاد الأوروبي. وأكد محافظ البنك، مارك كارني، أن «اقتصاد البلاد قد يدخل في انكماش على مدار ربعين». وذكرت وكالات التصنيف الائتماني بدورها أن «التباطؤ المتوقع في النمو عقب التصويت له أثر سلبي على التصنيف الائتماني لبريطانيا». وقد تؤثر التقلُّبات السياسية أيضاً على الاقتصاد؛ إذ أفصح ديفيد كاميرون عن قراره التنحي عن منصبه بحلول أكتوبر المقبل، في حين لم ترد أنباءٌ حتى الآن عن مستقبل أوزبورن. وهناك احتمالٌ لإجراء استفتاء آخر على الاستقلال في أسكتلندا التي صوَّتت بقوة لصالح البقاء في التكتل الأوروبي. في المقابل؛ اعتبرت مجموعة صغيرة من خبراء الاقتصاد المؤيدين للخروج أن الأخير سيعزز النمو في السنوات المقبلة، وإن كان أحدهم على الأقل توقَّع حدوث تراجع طفيف في البداية. وقد تجد شركات التصدير دعماً في هبوط الجنيه الإسترليني الذي انخفض إلى أدنى مستوياته أمام الدولار منذ عام 1985، رغم أن الطلب في كثيرٍ من دول العالم ما زال ضعيفاً. وحذَّرت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية وصندوق النقد الدولي من أن خروج بريطانيا سيضر باقي الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي وسيؤثر على دول أخرى خارجه. وأوضحت منظمة التعاون «إذا خرجت المملكة المتحدة من الاتحاد؛ سيقل إنتاجه باستثناء بريطانيا بنحو 1 % بحلول 2020 عما كان سيتحقق إذا بقِيَت». وتحدثث المنظمة عن احتمالية حدوث تراجع اقتصادي أكبر «إذا قوَّض خروج بريطانيا الثقة في مستقبل الاتحاد»، وهو سيناريو لا تشمله توقعاتها. وفي الولاياتالمتحدة؛ توقعت رئيسة مجلس الاحتياطي الاتحادي، جانيت يلين، تداعياتٍ للاستفتاء البريطاني على الاقتصاد العالمي وأسواق المال، وهو ما قد يعني تأجيل الزيادة التالية في أسعار الفائدة الأمريكية. السياسة المالية وكان رد فعل محافظ بنك إنجلترا على الاستفتاء سريعاً، إذ كشف عن استعداد البنك لضخ أموال إضافية بقيمة 250 مليار جنيه إسترليني لدعم الأسواق، مع احتمال اتخاذ خطوات إضافية فيما يتعلق بسياسته خلال الأسابيع المقبلة. وقبل التصويت؛ ذكر المحافظ كارني أن من السهل جدّاً التكهن بأن البنك سيُخفِّض أسعار الفائدة من مستواها المتدني بالفعل (0.5 %) من أجل دعم الاقتصاد بعد التصويت لصالح الخروج. ويقول البنك إنه سيتعيَّن عليه تقييم تباطؤ النمو في مقابل ارتفاع معدل التضخم الناتج عن انخفاض قيمة الجنيه. ويعني ذلك أنه قد لا يتم اتخاذ أي قرارٍ لتغيير أسعار الفائدة لعدة أسابيع وربما ليس قبل أغسطس حين ينشر البنك أحدث تقديراته التفصيلية حول الاقتصاد. وكان 17 من أصل 26 من خبراء الاقتصاد استطلعت «رويترز» آراءهم في أبريل توقعوا أن تكون الخطوة التالية لبنك إنجلترا المركزي بعد الخروج من الاتحاد الأوروبي تخفيض أسعار الفائدة لا زيادتها. عجز مزدوج وسجَّلت بريطانيا أكبر عجزٍ في ميزان المعاملات التجارية على الإطلاق العام الماضي بما يعادل 5.2 % من ناتجها الاقتصادي. وعكَس هذا العجز زيادة تدفقات توزيعات الأرباح ومدفوعات الدين إلى المستثمرين الأجانب عن التدفقات المماثلة التي تأتي للبلاد بالإضافة إلى العجز التجاري الكبير. واعتبر كارني أن خروج بلاده من الاتحاد الأوروبي قد يختبر «كرم الأجانب» الذين يموِّلون العجز في ميزان المدفوعات. وكان وزير المالية أوزبورن أوضح، خلال الحملة التي سبقت الاستفتاء، أنه سيضطر إلى زيادة الضرائب وتخفيض الإنفاق إذا صوَّت الناخبون لصالح «الخروج» كي يحول دون إضرار تباطؤ النمو بمساعيه الرامية إلى تخفيض عجز الموازنة الذي ما زال كبيراً. لكن لم يتضح ما إذا كان سيتم الالتزام بتلك الخطة بعد استقالة كاميرون. الإسترليني والسندات البريطانية وهبط الإسترليني، أمس، إلى أدنى مستوى له في 31 عاماً مُسجِّلاً أكبر انخفاضٍ في تاريخه، وجرى تداوله بسعر بلغ 1.39 دولار. ورجَّح الملياردير جورج سوروس انخفاض الإسترليني إلى 1.15 دولار. وسجل عائد السندات البريطانية مستويات قياسية متدنية حيث لامس العائد على السندات لأجل 10 سنوات 1.018 %، ويعتقد الخبراء أنه قد يهبط أكثر من ذلك ليقل عن 1 %. الوظائف وذهبت معظم التوقعات إلى احتمال ارتفاع معدل البطالة في المملكة المتحدة رغم نجاحها في تجنب خسارة الوظائف بنفس القدر الذي حدث في دول أخرى بعد الأزمة المالية. ويبلغ المعدل حالياً أدنى مستوياته في 10 سنوات عند 5%. وكما حدث بعد الأزمة المالية؛ قد تتحمل الأجور الوطأة الكبرى لأي تباطؤ ناجم عن الخروج من الاتحاد الأوروبي. وتوقع المعهد الوطني البريطاني للبحوث الاقتصادية والاجتماعية انخفاض أجور المستهلكين الحقيقية بما يتراوح بين 2.2 % و7 % بحلول عام 2030 مقارنة بمستوياتها في حالة التصويت ل «البقاء». في المقابل؛ رجَّح خبراء الاقتصاد المؤيدون ل «الخروج» أن تصبح سوق العمل في البلاد أكثر ديناميكية عبر إلغاء قوانين الاتحاد الأوروبي المرهقة والتخلص من بعض رسوم الاستيراد الأعلى في الاتحاد «مثل تلك المفروضة على الغذاء» بالإضافة إلى تعزيز الإنتاجية وتحسين مستويات المعيشة. لكن تقليص رسوم الواردات قد يعرِّض بعض قطاعات الاقتصاد لمنافسة شرسة. التجارة وحذر قادة العالم في الولاياتالمتحدة واليابان وألمانيا وفرنسا من أن «خروج بريطانيا» سيؤثر سلباً على مكانتها باعتبارها قوة تجارية عالمية. وقال الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، إن لندن ستأتي في «مؤخرة الصف» فيما يتعلق بإجراء مباحثات مع الولاياتالمتحدة. وقال الرئيس الفرنسي، فرانسوا أولوند، الأسبوع الفائت إن «الخروج» يضع دخول المملكة المتحدة إلى السوق الموحدة على المحك. لكن خبراء الاقتصاد المؤيدين ل «الخروج» رفضوا تلك التحذيرات، ووصفوها بالترويج للشائعات المقلقة، قائلين إن لندن قد تبرم اتفاقيات تجارة مع الاتحاد الأوروبي ودول أخرى خارجه وقد تُخفِّض أيضاً رسوم الواردات من تلقاء نفسها إذا لم يكن هناك اتفاق وشيك.