في حديث سابق حول تأثير الأسطورة على النفس البشرية، وإمكانية فهم الذات عبر تلك الحكايات التي أثارها ربما الجدات والآباء حولنا ذات يوم، لكننا نبقى أسرى لمعطيات المجتمع اليومية، مما يجعل بعضنا يدخل في الحلقات المفرغة المؤدية إلى حالة الاكتئاب التي يعيشها البعض لبعدهم عن ذواتهم والتأمل في مجريات الحياة اليومية، وربما حالة الإدمان التي تدخلها تلك الشخصيات.. والإدمان المقصود هنا ليس فقط لتلك المحرمات بل ربما إدمان الأجهزة الإلكترونية أكثر المسببات لحالة الاكتئاب التي نصاب بها. وبالعودة إلى الحكايات والقصص التي تملك المؤثر الأساسي لصناعة الإنسان واكتشافه لذاته؛ نجد أن التأمل الداخلي هو أساس هذا الاكتشاف، وكذلك محاولة الإصغاء للروح، ونجد أن كثيراً من الناس لا يستطيعون الإصغاء.. هم فقط يتحدثون ويقولون ولا يمكنهم الإصغاء للآخرين، وهذا بسبب عدم إصغائهم إلى ذواتهم التي تصرخ بالداخل ولكن دون أن تجد روحاً تستمع لها. التأمل والأسطورة اللذان هما مدخل هذا المقال جزآن أساسيان لمعرفة مكونات النفس البشرية، فلو حاولنا التأمل في الحكايات الصغيرة وتلك الأساطير والدخول في الوعي الذي تبثه لنا، لما أصبح وضع مجتمعنا بهذه الطريقة، من حالة التفكك اليومي التي نعيشها، كما نجد أن هناك حالة إدمان تليفزيوني لدى البعض، لكنهم مع الأسف لا يستفيدون منها إلا من خلال استعراض تلك المسلسلات العابرة التي لا تستوقف حتى الأطفال في المشاهدة، بينما تلك البرامج التي تبث روح التأمل والسفر داخل النفس البشرية نجد أن المتابعين لها لا يستطيعون القبض على جملة تليفزيونية واحدة بل يذهبون لحالة الدهشة الوقتية ولا ينتقلون بعدها إلى النقطة التي بثها ذاك البرنامج؛ حيث نجد اليوم أن هناك بعض البرامج تحث بشكل دائم على الاطلاع على الكتاب الذي يستطيع أن يمنح قارئه حالة من التأمل والذات، والعودة إلى حالة الهدوء الداخلي والاستماع للنفس التي تبحث عن صاحبها داخل الفرد منا. قد أجد أن تلك الحكايات الناتجة من الأساطير العالمية والمحلية فيها حالة من التأمل والصمت للنفس، وقد يجد البعض أن هذا الصوت الذي يضج بداخلنا بحاجة لمزيد من التأمل عبر مفردات روحانية وكونية ولكنها بحاجة لمن يلمسها؛ لذا علينا الإنصات للنفس البشرية وعدم تركها تهرم في داخلنا دون الاتباع لذلك الهوى الداخلي الذي يقودنا لمرحلة السكينة التي ننشدها دائما. كثيرة هي القصص والمشاهد التي تعبر المخيلة وحتى على المستوى السينمائي أو اللغة البصرية في اللوحة أو الصورة أو اللغة السمعية من خلال مقطوعة تبعث في النفس دفء الإبداع؛ لذا علينا عدم تجاهل هذا النداء الداخلي للبحث عن الروح، والاستماع إلى ذواتنا من خلال التأمل الروحي الذي قد نجده في نظرة عابرة لزرقة السماء أو البحر الذي يحاصرنا، وربما في تلك التضاريس الصحراوية التي تسكن بعضنا، وحينما نستمع لذواتنا سنتعلم حينها كيف نستمع للآخرين دون ضجيج مفتعل.