المقاطعة حق مشروع يمارسه الإنسان ووسيلة من وسائل التعبير عن الرفض والاحتجاج ويصل الأمر إلى أن يكون وسيلة ضغط وتهديد، وقد نجحت هذه الطريقة في أمور كثيرة ولم تنجح في أمور أكثر بل ربما تعد أحياناً حملات المقاطعة وسيلة إشهار وترويج، فمقاطعة المنتجات الأمريكية التي تنشط مع كل غطرسة أمريكية إن في احتلال العراق أو الوقوف مع إسرائيل لم تؤت أكلها إلا قليلاً لأن أمريكا نجحت في تسويق نظام الحياة الأمريكية بدءاً من الأطعمة السريعة والمنتجات الإلكترونية والأفلام والترفيه وانتهاء بنمط الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية حتى أن سيدة سعودية كبيرة في إبان غزو العراق قام أبناؤها بمقاطعة المنتجات الأمريكية واشتهت أن تأكل «البيتزا» فقالت لأولادها: أحضروا «بيتزا» فقد سامحت أمريكا، ونجحت المقاطعة مع الدنمارك ومنتجاتها في قضية الرسوم المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم مما دفع أحد أكبر الشركات الدنماركية إلى صرف ملايين في اعتذارات للسعوديين عن هذه الرسوم على هيئة إعلانات. غير أن الموضوع في الثقافة يختلف، فالثقافة تعني حرية التفكير والرأي والتناول ومشروعية الاختلاف وموقفنا مما لا يعجبنا يكمن في إظهاره للنور ومحاورته ونقضه بالرأي والدليل لا بالمقاطعة أو الإبعاد ويسري هذا على كل أنواع الفكر والثقافة باستثناء كلام الله عز وجل وما صح من حديث رسوله الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم لأنه دين لا ثقافة وما سوى ذلك قابل للأخذ والرد والمناقشة والقبول والرفض، وكل حملات المقاطعة من الأدباء والمثقفين لمعرض كتاب الدارالبيضاء على مدى سنين لم يحقق نتيجة تؤثر على عرض الكتب ومبيعاتها، وإنما أثرت فقط على مشاركاتهم في النشاط الثقافي المصاحب للمعرض وهذا يكون جمهوره بالعادة نخبوياً، وسنرى في معرض الرياض لهذا العام إقبالاً من المهتمين والمتعطشين للثقافة كما في الأعوام السابقة بجانب المقاطعين الذين لا ينكر عاقل حقهم في إبداء رأيهم.