استأنف سائقو القطارات في فرنسا إضرابهم أمس، في وقتٍ أُعلِنَت التعبئة في قطاعاتٍ أخرى للنقل مع تحوُّل الأزمة الاجتماعية إلى ما يشبه مواجهة استنزاف. ويغيب حلٌ منظورٌ قبل 8 أيام على استضافة بطولة أوروبا لكرة القدم، فيما تتحرك الحكومة الاشتراكية لتلبية بعض المطالب بغرض وقف الاحتجاجات. وتجدَّد الإضراب في قطاع السكك الحديد. وتزامن ذلك مع حديثٍ عن بدء احتجاجٍ محدودٍ في وسائل النقل في باريس، مع ترجيحٍ بتسبُّبه في اضطراباتٍ طفيفة. في المقابل؛ سيشهد النقل الجوي اضطراباتٍ خفيفةٍ مع إلغاء شركة الخطوط الوطنية (إير فرانس) 10% من رحلاتها في مطاري أورلي وليل في الشمال؛ بسبب إضراب مراقبين جويين. وعلى صعيد مظاهرات المناطق؛ كانت التوقعات حتى مساء أمس تشير إلى تجمعات في نانت ورين في الغرب وتولوز في الجنوب الغربي ومرسيليا في الجنوب الشرقي فضلاً عن العاصمة. ومع تواصُل الإضرابات في مصافي النفط والمرافئ ومحطات توليد الكهرباء؛ تعهدت نقابة «الكونفدرالية العامة للعمل» بعدم تعطيل مباريات يورو 2016. لكنها اتهمت الحكومة برفض الحوار. وتقود النقابة المعروفة اختصاراً ب «سي جي تي» حركة الاحتجاج على تعديل قانون العمل. ووعدت النقابة، أمس الأول، بتعبئة «ستكون الأكبر منذ 3 أشهر» خلال هذا الأسبوع، واستدركت «إذا قالت الحكومة غداً سنتحاور، ستتوقف الإضرابات». ولم تُسيَّر الأربعاء سوى 3 أو 4 قطارات من أصل 10 في المناطق و60% من القطارات السريعة، وفق الشركة الوطنية للسكك الحديد التي أقرَّت بمشاركة 17% من موظفيها وعامليها في الإضراب. ولم تُسبِّب حركة الاحتجاج هذه اضطراباتٍ تُذكَر على الخطوط الدولية. واستمرت حركة القطارات عاديةً إلى بريطانيا وألمانيا. وسُيِّرَت 75% من الرحلات إلى سويسرا أو بلجيكا وهولندا ولوكسمبورج. وإضراب السكك الحديد هو الثامن منذ مارس الماضي. ويدور النزاع في هذا القطاع حول مطالب متصلة بساعات العمل. لكن «الكونفدرالية العامة للعمل» التي ينتسب إليها أغلب سائقي القطارات أضافت إلى ذلك سحب التعديل المطروح على قانون العمل. وترفض الحكومة الاشتراكية الخضوع للضغوط رغم تدني شعبيتها، مؤكدة أن هذا الإصلاح سيتيح زيادة الوظائف وتراجع البطالة التي تناهز 10%. لكن معارضيها يقولون إن القانون الجديد يهدد الأمن الوظيفي، ويطالبون بسحب التعديل منذ مارس عبر التظاهرات التي شهدت صدامات. ومن المرتقب تنظيم يوم احتجاجي شامل في ال 14 من يونيو الجاري. واعتبر رئيس الوزراء، مانويل فالس، الثلاثاء أن «التراجع سيشكل خطأ سياسياً». وصرَّح الرئيس، فرنسوا هولاند، بدوره بأن المشروع «لن يُسحَب». فيما أدان الرئيس اليميني السابق، نيكولا ساركوزي، «البلبلة» و»الفوضى» السائدة في البلاد و»ضعف» السلطات. وأعلنت نقابتان للمراقبين الجويين تراجعهما عن الإضراب من الجمعة إلى الأحد. لكن عدة نقابات للطيارين أيدت مبدأ الإضراب لدى «إير فرانس» في يونيو احتجاجاً على تدابير تتعلق بالإنتاجية. وأعلنت إحدى هذه النقابات (سباف) أنها ستضرب في ال 11 وال 12 من الشهر. وأبدى فالس، الأربعاء أمام النواب، شعوره بالأسف نظراً للتبِعات الاقتصادية للاحتجاجات. وأقرَّ قائلاً «نعم هذا النزاع سيؤثر على اقتصادنا في حين أن تحرك الحكومة يتيح الانتعاش والنمو وخفض البطالة». وسجلت آخر المؤشرات الاقتصادية تراجعا طفيفا في البطالة واضطرابا في النمو. وذكرت شركة «توتال» النفطية، في وثيقة داخلية، أن الإضراب في 5 مصافٍ يعني خسارة عشرات الملايين من الدولارات في الأسبوع. ومع استمرار الاحتجاج في وسائل النقل والمحطات النووية للكهرباء والمصافي؛ تحركت الحكومة أمس للحيلولة دون شللٍ في الطيران، وحاولت الالتفاف على المحتجين عبر التساهل مع بعض المطالب. وأعلنت وزيرة العمل، مريم الخمري، أن «ما تقوم به الحكومة الآن هو تسوية كل حالةٍ على حدة». وفي حين فشلت في تفادي استئناف إضرابٍ محدودٍ لسائقي القطارات؛ حققت الخطة الرسمية نجاحاً لدى المراقبين الجويين. ومقابل التخلي عن خفض عدد الموظفين؛ ألغت النقابات التي تمثل 4 آلاف مراقب جوي إنذاراً بالإضراب. وقال وزير الدولة للنقل، آلان فيدالي، إن حركة الطيران لن تشهد اضطرابات في نهاية الأسبوع. وقُبيل افتتاح بطولة رياضية ستجذب الآلاف من محبي كرة القدم إلى البلاد؛ لا يزال أمام السلطات الكثير من العمل. وفي جميع أنحاء البلاد؛ استهدفت الإضرابات مواقع رمزية مثل أحواض السفن في سان نازير في الغرب؛ حيث لم يتمكن وزير الدفاع، جان جيف لو دريان، من حضور حفل تسليم مصر سفينة ميسترال. وبالقرب من جرونوبل في الجنوب الشرقي؛ أغلق متظاهرون الطريق إلى مصنع يملكه رئيس مجلس رجال الأعمال، بيار جتاز، الذي شبَّه ناشطي النقابات ب «الإرهابيين». واستؤنف الإضراب في قطاع الكهرباء مع التصويت على التحرك في 16 من أصل 19 محطة نووية. في حين تتواصل الإضرابات منذ أسبوع في مصافي النفط والمرافئ. وأعلنت السلطات معاناة منطقة سان نازير من انقطاع في الكهرباء في 12 ألف منزل. وتحدثت «الكونفدرالية العامة للعمل» عن «انقطاعات في الكهرباء والغاز» في تول (جنوب غرب) التي تعد معقل هولاند. وفي منطقة باريس؛ حوَّلت النقابة أكثر من مليون مشترك إلى التعرِفة المخفضة للكهرباء.