وصف وزير الخارجية، عادل الجبير، الوجود الإيراني في العراق بغير المقبول، في وقتٍ تعهد فيه نظيره البريطاني، فيليب هاموند، بعدم غضِّ بلاده الطرف عن التهديدات الإيرانية. وندَّد الجبير بدور طهران في العراق سواءً إرسال ميليشيات أو تدريبها لأداء دور طائفي. وشدد خلال مؤتمر صحفي أمس، في جدة بحضور هاموند «مهما قالت إيران؛ فإن وجودها في العراق أمر غير مقبول بدعوةٍ أو بدون دعوة»، داعياً إياها إلى احترم مبدأ حُسن الجوار والتركيز على وضعها الداخلي وعدم التدخل في شؤون دول المنطقة وعلى رأسها العراق. وأرجع الجبير الانقسام العراقي إلى السياسات الطائفية المرتبطة بسياسات إيران. وزاد «فإذا كانت إيران تريد السكينة والأمن والاستقرار للعراق؛ فعليها أن تكُفَّ أيديها هناك وتنسحب». في سياقٍ متصل؛ أكد الوزير الجبير تفهُّم المملكة حدود الاتفاق النووي مع إيران. وقال «نحن نفهم حدود المشروع النووي وندعم الاتفاق، وهو لن ينهي عزل إيران ولن يجعلنا نغضَّ الطرف عن مخالفاتها في التدخل في شؤون الدول الأخرى وإطلاق الصواريخ الباليستية واغتيال الدبلوماسيين وتفجير السفارات». ولاحظ أن «المشكلة النووية واحدة»، واستدرك «لكن هناك مشكلات متعددة»، مُحمِّلاً طهران المسؤولية عن عزل نفسها، مُكرِّراً «عليها أن تكون دولة طبيعية تحترم الجوار وتصلِح شأنها الداخلي وتترك تدخلها في شؤون الغير». وفي شأن الحج؛ قال الجبير إن المملكة تأخذ على محمل الجدّ كافة مسؤلياتها وتهتم بالحجاج اهتماماً بالغاً، ولا تمنع أحداً من القدوم لأداء الفريضة. وذكَّر بتوقيع مذكرات تفاهم في كل موسم حج مع أكثر من 70 دولةٍ في إطار التفاهم والتشاور. وأبلَغ الصحفيين بقوله «هذا العام؛ رفضت إيران التوقيع وكانت تطالب بإقامة شبه مظاهرات وبمزايا كانت ستخلق فوضى، ونحن من واجبنا تأمين الحج، لذا تم رفض ما تقدموا به». وأبان أن المسؤولين الإيرانيين عادوا في المرة الثانية وقدموا طلبات تمت الموافقة عليها «وهي: الحصول على التأشيرات عبر بوابة إلكترونية، ونقل نصف الحجاج عبر الناقل الإيراني، وإيجاد تمثيل دبلوماسي لهم في جدة عبر القنصلية السويسرية». ولاحظ الجبير أنهم و«مع ذلك رفضوا توقيع الاتفاقية وغادروا إلى بلادهم». وتابع «إن كانت نيتهم المراوغة فهذا أمر سلبي، وإن كان الموضوع يتعلق باحتياجات حجاجهم فنحن قبِلنَا بتوفيرها، ورفض إيران توقيع محضر ترتيبات الحجاج يجعلها تتحمل المسؤولية أمام الله». إلى ذلك؛ أشار الجبير إلى تطرق المباحثات السعودية والخليجية مع بريطانيا إلى بحث العلاقات مع إيران وأهمية التزامها بمبدأ حُسن الجوار وعدم التدخل في شؤون دول المنطقة. وكان هاموند التقى أمس خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولي العهد وولي ولي العهد. والتقى لاحقاً وزراء الخارجية في دول مجلس التعاون الخليجي في إطار الجلسة الخامسة من الحوار الاستراتيجي بين الجانبين. ووصف الجبير العلاقات السعودية- البريطانية بالتاريخية والاستراتيجية. وأبدى ارتياحه لتميز العلاقات التجارية بين الجانبين، مستدلاً بكون الشركات البريطانية من أكبر المستثمرين في السعودية ودول الخليج في وقتٍ تُعد فيه دول الخليج من أكبر المستثمرين في بريطانيا. ولاحظ أيضاً متانة العلاقات العسكرية والسياسية في إطار التشاور وتنسيق المواقف، عادَّاً المباحثات السعودية والخليجية مع هاموند بنَّاءة. ووفقاً للجبير؛ بحث الجانبان عملية السلام في الشرق الأوسط وأهمية الوصول إلى حل عادل وشامل للنزاع الإسرائيلي الفلسطيني يعتمد على قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية. كما بحثا قضايا سوريا واليمن وليبيا والدور الذي يمكن لبريطانيا أن تلعبه في دعم برامج التحول الاقتصادي في دول الخليج. وأبرَز الجبير تطابُق مواقف الجانبين إلى حدٍ كبير في الموضوع السوري، وقال إنهما بحثا كيفية تطبيق بيان جنيف الأول وقرار مجلس الأمن رقم 2254. وفي شأن العراق؛ بحث الجانبان تطبيق كافة الإصلاحات التي تم الاتفاق عليها في عام 2014 وكيفية إشراك جميع الطوائف والفئات في القرار، كما بحثا كيفية دعم حكومة بغداد في مواجهة التطرف خصوصاً تنظيم «داعش» الإرهابي. وحضر الموضوع اليمني في المباحثات، إذ أشاد طرفاها بدور دولة الكويت في تقريب مواقف الأطراف اليمنية على أساس المبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطني وقرار مجلس الأمن رقم 2216. في هذا الصدد؛ بُحِثَت فكرة طرح برنامج إعادة البناء في اليمن، والذي تبنَّاه قادة دول الخليج العام الماضي وترغب بريطانيا في المشاركة فيه. وعن ليبيا؛ شدد الجانبان على أهمية دعم حكومة رئيس الوزراء، فايز السراج، وإيجاد المصالحة بين الأطراف، وإعادة المؤسسات وبالذات الأمنية إلى العمل لمواجهة التطرف ومنع «داعش» من الانتشار. وبعد تناوُل الجبير الملفات الإقليمية التي جرى التشاور فيها؛ كشف قائلاً «عبَّر الوزير هاموند عن استعداد بريطانيا للمساهمة في تطبيق رؤية المملكة 2030، والتي وصفها المسؤولون البريطانيون بأنها رؤية جريئة وطموحة تستهدف نقل المملكة إلى مستقبل أفضل». وأعلن فيليب هاموند، بدوره، تجديد بلاده التزامها بدعم دول الخليج «ليس فقط على المستوى الدفاعي بل في كافة الجوانب مع التركيز على الجانب الاقتصادي خاصة مع انخفاض النفط، فنحن نؤكد استعدادنا التام لدعم المنطقة». وأبدى هاموند ارتياحه للجهود الخليجية الداعمة لإحراز تقدم في المنطقة. وربط، خلال المؤتمر الصحفي، بين السلم و»تحقيق الاستقرار وتقديم الدعم والمعونات الإنسانية». وزاد «لذلك يجب إيقاف الأعمال العدائية خاصةً من النظام السوري». وفي شأن الاتفاق النووي؛ أبان الوزير البريطاني أن الاتفاقية لا تعني غض الطرف عن سياسات النظام الإيراني. وتعهد بمناقشة المشكلات التي تحدث عنها مجلس الأمن الدولي. وفصَّل قائلاً «نحن نتفهم المخاوف الموجودة في المنطقة حول الاتفاق النووي الذي تم إبرامه، لكنه لا يعني غض الطرف عن التهديدات التي تمثلها إيران في المنطقة، فلن نغض الطرف عن الصواريخ التي يتم تجربتها، لذلك سنستمر في متابعة الخطوات الإيرانية التي تهدف إلى زعزعة الاستقرار في المنطقة من خلال تطويرها مؤخراً للصواريخ الباليستية». في هذا الصدد؛ لفت هاموند إلى تبني بلاده خطة لتوقيع العقوبات على طهران، مبدياً معارضته التدخلات الإيرانية في شؤون الدول الأخرى. وخصص الوزير البريطاني جزءاً من حديثه خلال المؤتمر عن «رؤية المملكة 2030». وذكر أن بلاده عمِلَت مع الشركاء السعوديين لتحويل الرؤية إلى واقع ملموس. ووصف الرؤية ب «الرائعة» كونها تحوِّل اقتصاد السعودية في ظل انخفاض أسعار النفط، وستحقق مزيداً من تنوع المصادر. وأخبَر الصحفيين بقوله «نحن نرى عدداً من الخيارات التي يمكن أن يكون لبلادنا دورٌ في دعمها في إطار هذه الرؤية، نستطيع أن نعمل سوياً ونضيف شيئاً إلى الرؤية ونتطلع للعمل مع الزملاء السعوديين». ورغم توقُّعه ألا ينخفض سعر النفط طويلاً؛ رأى هاموند أن «الرؤية الجديدة ستدوم حتى وإن تعافى السعر، فهي خطة مستقبلية»، مشيداً باعتبار إصلاح التعليم محور إصلاحٍ في الرؤية، وكذلك الاهتمام بالمجالات الثقافية والسياحية والخدمة المدنية.