في شهر محرم المنصرم أعلنت مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية ووزارتا الصحة والزراعة توقيع مذكرة تفاهم للتعاون المشترك لدعم إجراء البحوث المتعلقة بفيروس (كورونا) المسبب لمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية، وذلك من منطلق تنسيق الجهود الوطنية وتبادل الخبرات، والاستفادة من إمكانات وقدرات الجهات المشاركة، وذلك وفق استراتيجية الصحة الواحدة «The One Health» كما صرح وزير الزراعة المهندس عبدالرحمن الفضلي. فما هو مفهوم الصحة الواحدة The One Health التي وردت في تصريح الوزير؟ تعتبر كثير من الأمراض الناشئة ذات علاقة وطيدة إما لزيادة الاتصال بين الإنسان والحيوان أو لزيادة الإنتاج الغذائي بشكل مكثف أو التوسع في السياحة والسفر بين الدول. في القرن المنصرم (العشرين الميلادي) ظهرت على السطح كثير من المسببات المرضية المعدية ومنها بدأ العلماء بالوقوف لدراسة هذه التهديدات (المسببات المرضية) التي تتعرض لها المجتمعات خاصة تلك التهديدات ذات المنشأ الحيواني؛ إذ من بين 1415 ميكروباً تصيب الإنسان مثلاً 61 % منها ذات مصدر حيواني. في عامي 1997م و1999م عندما تفشى مرض إنفلونزا الطيور (H5N1) في هونج كونج وبعده مرض حمى غرب النيل (West Nail Fever) في مدينة نيويورك بدأ المجتمع الدولي إلى التنبه لمسألة الترابط والعلاقة بين صحة الحيوان وصحة الإنسان والبيئة، لهذا السبب وتعدد الأمراض المعدية في الآونة الأخيرة ذات المصدر الحيواني أو حتى البشري نشأت فكرة إقامة تحالف وتعاون ثلاثي المحور بين منظمة الأغذية والزراعة (FAO) ومنظمة الصحة العالمية (WHO) والمنظمة العالمية لصحة الحيوان (OIE) لوضع استراتيجية موحدة بشكل وثيق لمواجهة المخاطر المحدقة بالمجتمعات البشرية أو الحيوانية. إذاً ما مفهوم الصحة الواحدة The One Health concept؟ هي استراتيجية عالمية تهدف إلى توسيع آفاق التعاون بين مختلف الاختصاصات العلمية والتواصل بجميع أشكاله بين مختلف قطاعات العناية بصحة الإنسان والحيوان والبيئة، وإن الدعم المتبادل الذي تؤمنه هذه الاستراتيجية بين مختلف القطاعات سوف يعمل على تحسين مستوى العناية الصحية في القرن الحادي والعشرين وما بعده عن طريق الاكتشافات التي تحققها البحوث الطبية البيولوجية، زيادة فاعلية نشاطات سلطات الصحة العامة، التوسع السريع للمعارف العلمية، ورفع مستوى التعليم الطبي والرعاية السريرية. وسوف يساعد التطبيق الصحيح لهذه الاستراتيجية في حماية وإنقاذ ملايين لا تعد ولا تحصى من الأرواح البشرية من الأجيال الحاضرة والمستقبلية. ولقد اكتسب مفهوم -الصحة الواحدة- خلال السنوات القليلة الماضية قبولاً واسعاً في الأوساط العلمية، كما جذب انتباه الجماعات التنموية وصناع القرار والسياسيين عامة. ففي أمريكا مثلاً وهي توحد الطب البشري بالطب البيطري بمبادرة الصحة الواحدة أسفرت عن إقامة تعاون شامل بين الأطباء وأطباء العظام والأطباء البيطريين وأطباء الأسنان والممرضين وغيرهم من أصحاب التخصصات العلمية أو البيئية، بما في ذلك الجمعية الطبية الأمريكية، والرابطة الأمريكية للطب البيطري، والأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال، والجمعية الأمريكية لأطباء الصحة العامة، والجمعية الأمريكية للطب الاستوائي والنظافة، ومراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC)، ووزارة الزراعة في الولاياتالمتحدة (USDA)، والجمعية الوطنية للصحة البيئية الأمريكية للممرضين (NEHA). بالإضافة إلى ذلك أكثر من 850 من العلماء البارزين والأطباء والأطباء البيطريين في جميع أنحاء العالم. علماً بأن هذا المفهوم يمتد تاريخه إلى العصور القديمة إلى زمن الطبيب اليوناني أبقراط (460 قبل الميلاد – 370 قبل الميلاد) حين أشار إلى أن العوامل البيئية يمكن أن تؤثر على صحة الإنسان. وتوالى الاهتمام بهذا المفهوم إلى أن جاء في أواخر القرن التاسع عشر الطبيب الشرعي الألماني رودولف فيرشو (1821 – 1902) الذي صاغ مصطلح «حيواني المنشأ»، وقال أيضاً «… بين الحيوان والطب البشري لا توجد خطوط فاصلة – ولا ينبغي أن يكون هناك». وفي عام 1947، عزز هذا المفهوم في الولاياتالمتحدةالأمريكية الطبيب البيطري جيمس ستيل عن طريق إنشاء مجال الصحة العامة البيطرية في مركز مكافحة الأمراض والسيطرة عليها (CDC). ولتحقيق مفهوم الصحة الواحدة The One Health concept يلزمنا تطبيق بعض النقاط التي منها: * التعاون بين المدارس التعليمية الطبية البشرية والبيطرية وصحة البيئة. * التعاون الوثيق بين الجهات المختلفة (وزارة الصحة والزراعة والبلديات وحماية البيئة) في إقامة الندوات والمحاضرات والمعارض. * بذل المجهود المشترك بين الجهات المعنية في وضع الخطط للوقاية من انتقال الأمراض والسيطرة عليها أو علاجها. * إعداد الدراسات والأبحاث المشتركة بين الجهات المعنية لفهم طبيعة المسببات المرضية. * بذل الجهود المشتركة في تطوير وتقييم أساليب جديدة لتشخيص وإنتاج لقاحات وأدوية تمكننا من محاربة هذه المسببات المرضية. * استخدام وسائل الاتصال الحديثة في توعية وتثقيف القادة والسياسيين والقطاع الخاص حيال كل ما هو جديد. وللمزيد من المعلومات حول هذا المفهوم يمكنك أخي القارئ الاطلاع على موقع www.onehealthinitiative.com.