تعد النزاعات المسلحة من الظواهر الخطيرة التي تهدد حياة الإنسان ذكرا أم كان أنثى في كل زمان ومكان، وهي تعبر عن وجود أزمة بنيوية عميقة في صميم الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية للمجتمعات المأزومة تنعكس في جملة من المشكلات والآثار المباشرة وغير المباشرة المادية والرمزية التي تخلف جراحات غائرة في الأجساد والنفوس، وظاهرة نزوح السكان المدنيين من النتائج المباشرة للنزاعات العنيفة إذ تفضي النزاعات المسلحة إلى إجبار فئات واسعة من سكان مناطق النزاعات خاصة المدنيين منهم إلى النزوح عن ديارهم وقراهم ومناطقهم ومجتمعاتهم وبيئاتهم الثقافية إلى أماكن أخرى طلبا لملاذ آمن. وقد شهد مجتمعنا العربي الإسلامي حالات كثيرة ومتكررة من موجات النزوح هذه منذ أقدم العصور حتى اليوم وذلك بسبب النزاعات المسلحة الاجتماعية والسياسية والثقافية إذ تعد الحرب أو النزاعات المسلحة من أشد أنماط العنف التي تلحق أضرارا فادحة في الأجساد والنفوس، وآثار النزاعات المسلحة على المجتمعات لا تقف عند حد إلحاق الضرر المادي بجسدها أو قتلها بل تتجاوز ذلك إلى هدم مساكن أسرة وتدمير ممتلكاتها فضلا عن تعرض البنى التحتية كالماء والكهرباء والصرف الصحي للتدمير، مما يعني التشرد والنزوح إلى بيئات غير مألوفة، وليست هناك مصيبة أفدح يمكنها أن تصيب الإنسان في هذا الزمان من اضطراره للهرب والنزوح من منزله وأهله ودياره ومجتمعه وبيئته إلى أماكن لا يعرفها. وتشير الفقرة 261 من (استراتيجيات نيروبي للنهوض بالمرأة حتى عام 2000م) إلى أن النزاعات المسلحة وحالات الطوارئ تشكل تهديداً خطيراً لأرواح النساء والأطفال، إذ يسبب الخوف المستمر وخطر التشرد والتدمير والخراب والاعتداء الجسدي، والتمزق الاجتماعي والأسري والهجرة وتسفر كل هذه الأمور أحيانا عن حرمان تام من سبل الحصول على الخدمات الصحية والتربوية الكافية، وعن ضياع فرص العمل وتفاقم الأحوال المادية بوجه عام، وقد جاء في إعلان حماية النساء والأطفال في حالات الطوارئ والنزاعات المسلحة عن الأممالمتحدة في ديسمبر 1974م القرار (3318) (د- 29) التأكيد على ضمان احترام حقوق الإنسان إذ نص الإعلان في مادته السادسة على أنه (لا يجوز حرمان النساء والأطفال من بين السكان المدنيين الذين يجدون أنفسهم في حالات الطوارئ والمنازعات المسلحة). وقد أشارت كثير من الدراسات إلى الآثار الخطيرة التي تصيب الأفراد والجماعات الذين يقعون ضحايا للنزاعات المسلحة لاسيما منها التشرد والحرمان والشعور بالعجز والإحباط وعدم القدرة على اتخاذ القرار واضطرابات ضغوط ما بعد الصدمة التي تصيب الأطفال وتسبب لهم ردود أفعال سلبية. وقد تسبب النزاع المسلح في كثير من المجتمعات العربية الراهنة منها (الصومال والعراق وسوريا وليبيا واليمن) في تشريد ونزوح ملايين من السكان المدنيين لاسيما من النساء والأطفال وما كان لذلك النزوح من آثار مباشرة وغير مباشرة على حياتهم الاجتماعية والثقافية والسياسية والأخلاقية. وقد شاهدنا ومازلنا نشاهد كل يوم مآسي النازحين من الوطن العربي إلى أوروبا طلبا للجوء والبحث عن مكان آمن للعيش. مما يستدعي بحث هذه الظاهرة المأساوية ودراستها دراسة منهجية متخصصة وبيان مخاطرها المرتدة على حياة النازحين ومجتمعاتهم في المستقبل. كيف يعيش هؤلاء النازحون حياتهم بعيداً عن ديارهم ومجتمعاتهم المحلية والأصلية، وأين نصبوا خيامهم، ومن أين يحصلون على غذائهم وكيف يتعلمون ويعالجون ويفكرون ويطمحون ويحلمون وغير ذلك من الأسئلة. ونقترح على مراكز الدراسات العربية الاستراتيجية والمراكز البحثية المتخصصة إن وجدت في البلاد العربية العمل بالآتي: 1 – وضع مقاربة سوسيولوجية ديموجرافية لظاهرة نزوح السكان والآثار المباشرة على النوع الاجتماعي كخطوة أولى لتأسيس قاعدة معلومات. 2 – عمل دراسة ميدانية للمناطق التي شهدت نزوحا اجتماعيا للسكان المدنيين والتعرف عن كثب على حياة النازحين وأوضاعهم وحاجاتهم ومشكلاتهم ومقترحاتهم وتصوراتهم عن أنفسهم وعن مجتمعهم. 3 – الكشف عن الآثار السلبية التي تنجم عن عملية التشرد والنزوح وبيان مخاطرها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والسيكولوجية والبيئة والأخلاقية على السلام الاجتماعي والتنمية المستدامة، ولفت أنظار منظمات المجتمع المدني والهيئات الدولية إلى ذلك لزيادة التعاطف والتضامن الإنساني. 4 – كشف الأبعاد المختلفة للنزاعات المسلحة ومواطن ضعف المرأة والفتاة على وجه التحديد في جميع مراحل النزوح الأولية والحماية والمساعدة في مجتمعات النازحين وإعادة التوظيف والاندماج الاجتماعي. 5 – التعرف على الانتهاكات المختلفة التي يتعرض لها المدنيون من النساء والأطفال، بسبب عدم احترام أطراف النزاع للمواثيق الدولية بشأن حقوق الإنسان التي تنص على حماية ضحايا الحروب والنزاعات المسلحة ومنهم المنازعون كضحايا لهذه النزاعات العنيفة، ونشر هذه الانتهاكات في وسائط الإعلام المختلفة. 6 – البحث في السبل الممكنة لإعادة إدماج النازحين في مجتمعاتهم أو في مجتمعات نزوحهم.