العلاقات السعودية الأمريكية لم تكن وليدة الصدفة وليست حديثة العهد، بل هي علاقة تاريخية متينة تمتد منذ تأسيس الدولة السعودية حتى اليوم، ولم تكن تحكمها المصالح الاقتصادية فقد كانت قبل اكتشاف البترول في بلادنا، وكعادة العلاقات تتأرجح أحيانا وتمر بفترات ركود، وأحيانا تزدهر بحسب الشراكة الإستراتيجية سياسيا واقتصاديا بين البلدين. عندما كتبت مقالتي السابقة عن الدور القيادي السعودي، كنت أعني ذلك تماما، فالسعودية في العامين الأخيرين وضعت النقاط على الحروف، وبدأت ترسم ملامح سياستها الشرق أوسطية بقوة ودون خوف. قد يرى بعض المحللين أن السعودية ستنهك جراء ما يحدث في اليمن والعراق وسوريا وأن علاقاتها بأمريكا تمر بمرحلة ضعف ستعود عليها بالتدهور، وهذا الرأي خاطئ تماما، فمنذ التقارب الأمريكي الإيراني سعت السعودية لامتلاك القوة واتخاذ القرار السياسي والعسكري بعيدا عن التأثير الأمريكي والغربي، وهذا في حد ذاته مؤشر قوي يصب في مصلحة الوطن العربي والإسلامي. لعل تصريحات أوباما الأخيرة المستفزة وانحيازه لإيران أثارت الرأي العام السعودي والخليجي بشكل عام، حتى وإن كان يبحث عن مصلحة بلاده فالسعودية أيضا من حقها أن تبحث عن مصلحتها، وعندما يلوح وزير الخارجية السعودي ببيع أكثر من سبعمائة وخمسين مليارا من الأصول السعودية في أمريكا التي قد تصل إلى ترليون دولار تجنبا لتجميدها، فهذا يعني أن السعودية تعي دورها جيدا في امتلاك زمام الأمور، والمحافظة على حقوقها وترعى مصالحها، وإن نفذت تهديدها فسينهار الدولار ويفقد مكانته الدولية ولن تستطيع أمريكا الوفاء بالتزاماتها، وما زيارة أوباما اليوم إلا دليل على قوة السعودية، وأن لديها أوراقا مهمة تلعب بها، فاللعبة أصبحت مكشوفة، ولم يعد هناك خطط سرية ولم يعد هناك حاجة للتخفي والركون إلى الغير والتظاهر بالضعف والبحث عن الحماية، فالسعودية ليست طفلة تبحث عن صدر حنون بل شبت عن الطوق وأصبحت تقود العالمين العربي والإسلامي بكفاءة واقتدار، ولها القدرة على إدارة شؤونها دون الحاجة إلى وصاية كما كانت تعتقد أمريكا. لا أحد ينكر أن منطقة الخليج تمر بمنعطفات تاريخية ومتغيرات لها انعكاساتها على الأمن الوطني العربي، وهناك مصالح مشتركة تربط بين الولاياتالمتحدة والخليج، وهناك مصالح متقاطعة مع بلدان أخرى سلبية وإيجابية، وإن كانت العلاقة متوترة في الفترة الحالية إلا أن السعودية ما تزال ترى في أمريكا الحليف الاستراتيجي على المدى البعيد، وترى أنه لا بد من الوقوف بحزم في وجه الأجندات الإقليمية التي لها أطماع في الأراضي العربية، ومقدرات الشعوب التاريخية والدينية والثروات الوطنية، وذلك لإرساء دعائم الأمن والاستقرار في المنطقة العربية، ولعل في زيارة أوباما غدا ما يجلي الرؤية ويكشف الغمة ويغيظ الأعداء الذين يسوؤهم التقارب السعودي الأمريكي من جديد، وإن غدا لناظره قريب.