لا يستطيع بعض من أفراد مجتمعنا الاستغناء عن «الواسطة» حتى في أبسط الأمور، وربما يكونون قد تعوَّدوا على ذلك، فأصبحت «الواسطة» أمراً اعتيادياً بالنسبة إليهم. هناك «واسطة» لمجرد كسب الوقت، وهناك «واسطة» لتجاوز النظام بهدف أخذ حق أشخاص آخرين، أو قضاء مصلحة شخصية، وهناك أنواع أخرى عديدة. وقد يغفل «الشخص المتوسط»، بمعنى أدق «صاحب الفزعة» وهو يمرِّر عملاً ما، أو يسعى في أمرٍ ابتغاءً للخير، عن أن تلك «الواسطة» قد تتحول بعد ذلك لتصبح وباءً عليه، ومصدر شقاء له نتيجة استغلاله من قِبل شخص «خبيث النيات»، أو مخرِّب، أو لصٍّ، أو فاسد، أو إرهابي، أو يريد الانتقام من شخص ما، فيكون بذلك «المتوسط» الوسيلة للقيام بذلك. على سبيل المثال: أن يصرف شيكاً دون إثبات، أو أن يسمح لشخص بأن يسافر على طائرة دون إثبات، أو أن يطلب منه زميله التوقيع عنه وهو خارج العمل، وكذلك السماح بالسكن، أو الاستئجار دون إثبات، كما أن هناك مَنْ يتاجر ب «الواسطة» حيث «يتوسط» للناس بمقابل مادي، وقد يقع مَنْ يمرر هذه «الواسطة» في تهمة الرشوة من غير قصد، بينما يأخذ الشخص المتوسط النقود ويضعها في حسابه. كل هذه الأمثلة يفعلها بعضهم من باب الفزعة والنخوة، ولكن هناك مَنْ يستغل تلك الطيبة لكي يمرِّر أجندات ومؤامرات ضد الدولة، أو ضد أناس أبرياء لمصالح شخصية تخلُّ بالأمن. هذه الأمور كلها لها سلبيات، تُحدث ثغرات سواء أكانت أمنية، أم مجتمعية، أم نفسية بسبب أخذ حقوق الآخرين دون وجه حق. تعتبر الواسطة في بعض الأحيان جريمة، أو مخالفة، أو خطأً يخلُّ بالأمن، وهناك نوع من «الواسطة» يمكن إثباته بدليل دامغ في حال أخل بالنظام، أو تسبب في ضرر لا يمكن تفاديه، ونوع لا يمكن إثباته على الشخص «المتوسط»، وربما يهرب من العقوبة. «الواسطة» شر لابد منه، ولكن الحذر واجب لكيلا يقع أحد في المحظور.