تشهد هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حملات عليها تتشابه فيما بينها من حيث المظهر ومن حيث المصدر، على الرغم من كونها وكما هو معروف هيئة رسمية سعودية مكلفة بتطبيق نظام الحسبة المستوحى من الكتاب والسنة، وشعارها يفصح عن منهج الوسطية المميز بألوان السماء التي نزلت منها الشريعة مع صورة خارطة المملكة بجوار الشراع بما فيهما من دلالات. والهيئة موجودة في بلادنا منذ قيام الدولة السعودية الأولى إلى أن جاء عهد الملك خالد -يرحمه الله- فدمجها في هيئة واحدة وبرئيس واحد يعين بأمر ملكي من عام 1396ه تحت مسمى (الرئاسة العامة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)، واستمرت تقوم بواجباتها الوظيفية في محاربة الجرائم المعلوماتية والكشف عن بؤر السحر والشعوذة ومكافحة المخدرات وابتزاز الفتيات وفرض الآداب العامة. إلا أن الجدل حول الهيئة في زمن الفضاء الإلكتروني اليوم بين مسالم معها ومحارب لها، قد جعل تلك النظرة السلبية في السنوات الأخيرة تميل في صالحها بشكل إيجابي سوى من بعض أولئك الذين يسهمون في ترسيخ بعض المغالطات أو يتذمرون من بعض المبالغات خاصة ممن لديهم تصور ضبابي عنها وعن أفرادها الذين لا يدعون العصمة، فكما للهيئة أخطاء فلكل جهاز حكومي يعمل أخطاء، وأخطاؤهم مغمورة في بحر حسناتهم، وإن نسبة كبيرة مما يتم تداوله عنهم عبر وسائل التواصل غير صحيحة، وللحق فنحن مع أولئك الذين يناشدون بإصلاح هذا الجهاز عن طريق النقد الهادف الذي لا يراد به الإساءة، وبالذات في الجانب الميداني مثل التدريب على فن التعامل بالدعوة الحسنة والابتسامة اللطيفة وعدم التشدد في مراقبة الناس مهما كانت المسببات، ولكننا في الوقت نفسه لسنا مع أولئك الذين يحاربونها أو يطالبون بإلغائها مهما كانت الأعذار، وإن كان الأغلبية لدينا لا ينكرون أهميتها ولا يقللون من دورها الديني والأمني والوطني لا لأنها تقوم بعمل جبار يتجاوز إمكاناتها ويفوق قدرات جهات أخرى مشاركة لها وإنما لما فيه من مشقة لأعضائها الذين لا يتجاوز عددهم الأربعة آلاف في بلادنا المترامية الأطراف، وكل ما يقومون به مثبت رسميا في محاضرهم، وإن كان المجال لا يتسع لذكر إنجازاتهم هنا، ويكفيها أن أكاديمية نايف للعلوم الأمنية قامت بدراسات لوقوعات الهيئة لمدة ثلاث سنوات متتالية، وأثبتت أن معدل القضايا التي يباشرها أعضاء الهيئة في السنة الواحدة يفوق 400 ألف قضية، وأن نسبة الخطأ منها لا يتجاوز 38 قضية فقط في السنة الواحدة، فلماذا الخوف أو التذمر منها؟ إن من حق الهيئة علينا الاعتراف بفضلها في السر والعلن والإنصاف لها في الرضا والغضب، فوجودها في هذه البلاد المقدسة من النعم؛ لأنهم عيون المجتمع الساهرة، بل هم العلامة الفارقة بين المسلم الحقيقي والمنافق، وهم يحتاجون كغيرهم إلى النقد الهادف الذي لا يراد من ورائه الإساءة، وكل من أخطأ من أعضائها يجب أن يصوب، ومن تعدى يحاسب، ومن ظلم يعاقب!. ربما مقالي هذا لا يروق لبعضهم، وإن كنت أزعم أن بعضاً من أولئك هم من الذين يهدفون إلى اقتطاعها من سياقها السياسي إلى سياق اجتماعي منفصل يعود بنا إلى دائرة الانفصام الأولى بين مؤيد ومعارض، قد يكون من أجل قلب الموازين وخلط الأوراق، ومن ثم الخروج من بوابات كاد المريب أن يقول خذوني!!!