كنت قد عزمت على تخصيص زاوية للكتابة الأدبية في كل أجناسها الفنية، بعد أن أختار لها اسماً مناسباً، أو أستعير عنواناً مطروقاً من قبل، أو تحت مسمى (حصاد الكتب)، لكن الوقت يمضي سريعاً، والأحداث تتوالى والمواقف تتكاثر كحاجتنا إلى متنفس يخرجنا من لحظات الشعور بالكآبة كلما أظلم ليلٌ، وادلهمّ خطبٌ، وتفاقمت مشكلةٌ، فنكتب مرة في الثقافة والأدب وعالم الكتب، وأخرى في السياسة والاجتماع والتربية، وثالثة في الإدارة والصحة والمجتمع، فكانت تلك الخلطة العجيبة من المقالات الأسبوعية التي تصافح القارئ صباح الثلاثاء من كل أسبوع. لم يكن التسوق في معارض الكتب هو القناة الوحيدة للحصول على الكتاب، ولا البحث في المكتبات لاقتنائها، بل هناك نافذة أكثر جمالاً، وأرقى بهاء وجلالاً، وهي الإهداء الممهور بتوقيع الكاتب، الذي يجب علينا رد بعض الجميل على الأقل بومضة بسيطة مشفوعة بالشكر والعرفان، أو إضاءة عن الكتاب إذا لم نستطع دراسته أدبياً أو قراءته قراءة نقدية يستفيد منها المشهد الثقافي والإبداعي. المبدعة (عبير العلي) أهدتني ذات مساء أدبي روايتها (الباب الطارف) في طبعتها الأولى، لن أتحدث عن التقديم الجميل للدكتور الحسامي، ولا عن (حنين) وحبيبها (سعد) ولا عن جدها وجدتها، فالرواية ثرية جداً بالمواقف والأحداث البديعة في المحتوى، عالية المستوى، بلغة راقية، وأسلوب سلس، ومفردات آسرة، وعبارات أنثى مفعمة بالحب، فكانت (أبها) البهية التي تحتضن الغيم وتنام على شرفات الضباب، تعانق السحاب مع قهوة الصباح، وتلمس نسائمها الباردة خطواتها الأولى من وإلى مدرستها، ولأني من (عوالي أبها) وهي البيئة المكانية للرواية فقد عشت معها أترسم الخطى التي مشيتها هناك أيام الصبا والشباب، ومررت على الديار ديار ليلى.. أقبل ذا الجدار وذا الجدار، وكان الحبّ الركن الأساس في الرواية، تدور حوله الأحداث وتتجاذبه المفارقات، وتتحكم فيه العادات والأعراف والتقاليد وتصهرهم اللوعة والفراق والقلق والحنين، وتجمعهم الأبواب الخلفية الآمنة. استطاعت (عبير) أن تكتب (أبها) بطريقتها الخاصة، فتحت أبوابها للحياة ومضت تسطرها بدفء وحميمية، اختارت الأسلوب المناسب لحبكتها الروائية بلغة سردية عميقة، وتجربة زمكانية فريدة، لتدخل من خلالها إلى المجتمع الجنوبي بكل تفاصيله مع التغيرات الاجتماعية التي صاحبت التوجهات الفكرية الناجمة عن القفزات الحضارية والثقافية التي عاشتها منطقة عسير في فترة زمن الرواية الذي انقسم فيها المجتمع إلى أكثر من فريق، وكان للخطاب الديني المتشدد أثره الواضح بما أفرزه من تشوهات عقيمة في العلاقات الأسرية واختراقه لبعض العلاقات الإنسانية، وبقيت لغة السرد العذبة محافظة على سير الأحداث حتى النهاية. كثيرة هي المرات التي تعاطيت فيها الكتابة عن الكتب الأدبية الإبداعية، وأعترف دائماً بأنني لست ناقداً ولم أحترف الكتابة النقدية ولن أفعلها، إنما هو الشعور بأقل الواجبات لأقدِّم شكري على الأقل لكل كاتب مبدع قدَّم للمكتبة العربية كتاباً يستحق أن يقرأ، كما فعلت عبير العلي في الباب الطارف، فهي تجربة ناجحة بامتياز.