قبل 3 سنوات، وجدت بقايا من رفاة ملك إنجلترا ريتشارد الثالث الذي حكم سنتين فقط، في مدينة ليستر، خلال حفريات ورشة لإنشاء مرآب للسيارات. فسلطت الأضواء على المدينة الهادئة التي يبلغ عدد سكانها 280 ألف نسمة، خصوصا خلال مراسم إعادة الدفن التي أجريت في كاتدرائية المدينة. غير أن «أهل ليستر» يعتبرون تلك الحادثة نذير خير دفع بمدينتهم إلى الصدارة والقمة بعد فترة وجيزة، من خلال فريقها لكرة القدم ليستر سيتي، حديث الساعة ومفاجأة ال»بريمير ليج». ف»فريق الثعالب» ضخ حيوية في شرايين المدينة ومحيطها، وبدأ سكانها يدركون جيدا أن حصده اللقب الغالي ليس مجرّد خيال أو حلم وردي. وتعد ليستر الواقعة على بعد 150 كيلومترا شمال غربي لندن، «بلدة» بالمعنى الحضري للمدن الكبيرة، نظرا لتعداد سكانها «المتواضع». وقد تأسس ناديها عام 1884 ولم يحصد لقب الدوري في تاريخه، وأفضل إنجازاته حلوله وصيفا عام 1929، وإحرازه كأس الرابطة 3 مرات في أعوام 1964، 1997 و2000. ولطالما عاش «فريق الثعالب» في منطقة شرق وسط إنجلترا في ظل نوتنغهام فورست ودربي كونتي اللذين يخوضان حاليا منافسات الدرجة الثانية. لكن ما تحقق بعدها يفرح قلوبا كثرا، وفي مقدمهم النجم السابق جاري لينيكر، الذي أمضى مواسمه السبعة الاحترافية الأولى (1978- 1985) في عرين ليستر، قبل أن يتألق مع ايفرتون وبرشلونة وتوتنهام. ويردد لينيكر (80 مباراة دولية و48 هدفا)، الذي يحمل أحد شوارع المدينة اسمه، «يجب استغلال هذه اللحظات والبناء عليها». حتى تاريخه، حقق ليستر17 فوزا في 29 مباراة ويبتعد بفارق 5 نقاط في صدارة الدوري الإنجليزي الممتاز عن أقرب منافسيه توتنهام و8 عن أرسنال صاحب المركز الثالث، وذلك قبل 9 مراحل على انتهاء الموسم، وهو سجل يسعد مالك النادي البليونير التايلاندي فيتشاي سريفادانابرابا، صاحب مجموعة «كينج باور» التي تدير محلات تجزئة في أسواق حرة، الذي أدخل طابعا شرق آسيوي على أروقة النادي. و»المناخ الآسيوي» الذي أدخله البليونير التايلاندي ونجله، نائب الرئيس على الفريق انعكس إيجابا في مؤشر الأعمال. وأكسبت سلسلة الانتصارات الأخيرة النادي أكثر من 300 ألف متابع إضافي على صفحته في «تويتر». كما حققت مبيعات قمصانه قفزة تجاوزت ال3 آلاف في المائة في اليابان، موطن مهاجمه شنجي اوكازاكي. في «الترتيب المجنون» للدوري الإنكليزي، خرق ليستر سيتي الخمسة الكبار (أرسنال، تشلسي، مانشستر سيتي، مانشستر يونايتد وليفربول)، الذين تناوبوا على حصد اللقب منذ موسم 1997 – 1998، وحققوا مداخيل خيالية، خصوصا بعدما زادت عائدات النقل التلفزيوني 71%. والنادي المتواضع الذي كان على وشك الإفلاس عام 2002، بات يشار إلى لاعبيه، أمثال جيمي فاردي صاحب الشعبية الكبيرة الذي سجل في المباريات ال11 الأولى تباعا هذا الموسم، والجزائري رياض محرز، بالبنان. ويلفت المؤرخ الاختصاصي مات تايلور إلى أن ليستر يحقق إحدى أكبر المفاجآت في تاريخ الدوري الإنكليزي من ناحية التطور السريع والمتنامي، سيما وأنه يمثل مدينة مقرون اسمها برياضة الركبي، وفريقها للعبة (النمور) أحرز بطولة أوروبا عامي 2001 و2002. كما سبق أن توج فريقها للكريكيت بلقب الدرجة الأولى. وكان العام 2002 مفصليا، إذ قرر النادي بناء ملعب جديد يتسع لطموحاته، تاركا صرحه التاريخي في «فيلبرت ستريت». فأطلق حملة تبرعات لسد الديون المتراكمة، ساهم في الترويج لها النجم لينيكر، المعلق الحالي في ال «بي بي سي»، فجمع مبلغ 8.5 مليون يورو. غير أن عهد المستثمر الأمريكي من أصل صربي ميلان ماندريتش شهد إخفاقات أوصلت ليستر إلى الدرجة الثالثة، قبل معاودته الصعود تدريجيا. ويعتبر قدوم البليونير التايلاندي سريفادانابرابا عام 2010 هبة من السماء. فقد ضخ أكثر من 150 مليون يورو، مركّزا في الترويج والاستثمار على سوق بلاده وسياحها ومستهلكيها. وبعد صموده العام المنصرم في الدرجة الأولى إثر الفوز على وست هام، بدأت الحملة لتأكيد الجدارة بين الكبار بقيادة الإيطالي كلاوديو رانييري الذي بث في صفوف لاعبيه «روح الفريق والتعاون»، ما اعتبر من أبرز عوامل النجاح، فضلا عن برنامج تحليل قدرة المواهب الذي اعتمده كشاف اللاعبين أستاذ التربية البدنية ستيف والش. فقد استثمرت الإدارة نحو 200 ألف يورو في تطبيقه، ما يساوي موازنة بنحو 10 ملايين يورو كانت ستنفق على شراء لاعبين. وها هو ليستر سيتي يتابع مسيرة «مظفرة» مهما كانت خاتمتها، وأنصاره يرددون نشيد «لن نتخلى عن الذئاب»، الذي أصبح مصدر فخرهم وأغنية رائجة.