في العرف الاجتماعي، حين تبتسم مع نفسك هذا يعني بالنسبة إلى الناس أنك «مجنون»، أو «مختل» عقلياً! فحين تبتسم مع نفسك، وأنت تمشي في الشارع، والناس تشاهدك، فهذه الابتسامة لا تعني سوى شيء واحد، وهو أنك شخص «مختل» عقلياً، وفي حاجة إلى تربية ورعاية نفسية! لا أحد يدرك معنى تلك الابتسامة، وأنها تعبير عن حُسن النية، ففي مجتمعنا مثل شعبي بائس يقول: «الضحك بلا سبب قلة أدب». لذلك فإن الإنسان المحترم، افتراضاً، هو الذي يمشي في الشارع وحده دون أن يبتسم، أي يكون «مكشِّراً»، وهذا يعني أنه محترم. وفي مجتمعنا، أحياناً، تدل الابتسامة على نوعية العمل، فإن ابتسمت لأخيك فهذا يعني أنك تسأله: ماذا فعلت؟ أي بدل أن تسأله فوراً عن شيء ما، تبتسم في وجهه، فيفهم أن ابتسامتك علامةٌ للسؤال، فيبدأ بالحديث، والاعتراف بفعلته، أو ينكر كل ذلك، ويبدأ بنطق «الأيمان المغلظة» بأعلى صوته، مؤكداً أنه لم يفعل شيئاً، وأحياناً تكون أنت مَنْ اقترف ذاك الخطأ الكبير، فتبتسم لأخيك منكراً أنك فعلته، أي بدل أن تشرح له فوراً «تمنحه ابتسامة». وحين تصادف رجلاً غريباً في الشارع، وتبتسم له فوراً، تجد نفسك في ورطة، وتدرك متأخراً أنك قد دخلت في مأزق كبير، ويتوجب عليك أن تبحث عن حل له حين يأتيك ذاك الغريب، ليقول لك: هل تعرفني؟ وهل تراني «مجنوناً»، أو «مختلاً» حتى تضحك علي؟ فتحلف أمامه بأنك لا تعرفه، وإذا كنت ذكياً، تقول له: أعتذر، حسبتك شخصاً أعرفه! وحين يدخل الرجل منزله، ويجد زوجته في انتظاره، ويبتسم لها، تفهم الزوجة حينها من تلك الابتسامة أنه لم يحضر معه شيئاً من الأغراض، التي طلبتها منه، أما الابتسامة في وجه أبيك، فمعناها أنك «مفلس»، ولا تملك في جيبك ريالاً واحداً، وإذا كانت عليك ديون لصاحب «السوبر ماركت» في الحي، الذي تقيم فيه، وصادفك، فابتسمت له ابتسامة «عريضة»، فهذا معناه: «ليس لدي نقود لأسدد ديني»، وهنا تؤدي الابتسامة دور إبرة تخديرٍ، فيفهم طالب الدين الموضوع كله، ويرد بابتسامة مماثلة. وأن تبتسم لمسؤول كبير، أو رجل أعمال، فهذا معناه أن لك «مصلحة» معه، وتريد منه أن يقضيها لك، أما إذا كنت موظفاً حكومياً في إحدى الدوائر الحكومية، وابتسمت للمدير، أو المسؤول المباشر عنك، فهذا معناه أنك تستهزئ به، لذلك أنصحك ألا تبتسم حتى لا يكتب عنك تقريراً، يتهمك فيه بالإساءة إليه. أما إذا كنت في اجتماع عائلي مع الأقارب، وتبتسم فيه كل خمس دقائق للجميع، وأنت تلتفت بوجهك بين عيونهم، فهذا يعني أنك تريد إغماض عينيك من التعب، ولكنك تسمع كل ما يقولونه، وإذا ناداك أحد الجالسين، تبتسم له فوراً، لتؤكد له مرة أخرى بأنك «مغمض العينين»، ولكنك «يقظ 100%». في النهاية أينما ابتسمت، تتعرض إلى التوبيخ والإهانة، ولا تنفعك الابتسامة إلا حينما تموت، فيقول عنك الناس: ما شاء الله عليه مات مبتسماً! وإذا مات أحد أقاربك، وأردت أن تؤكد على حُسن آخرته، تقول لكل المعزين: ما شاء الله لم أرَ مثل ميتته! لقد كفناه، وهو مبتسم، ووجهه أبيض مثل الثلج!