سؤال بمنزلة مفتاح لطريق، إما لحوار، أو لا حوار، يستخدمه كثيرون، خاصة عندما تريد أن تتحاور معهم، فعليك أن تجيب أولاً ليتحدد على ضوء الإجابة إما الحوار معك، أو التجاهل، وحتى لو وفِّقت بالحوار، فالإجابة هنا مهمة جداً في تحديد مستوى الفوقية، التي سيكون عليها مَنْ يحاورك! هذه باختصار بيئة الحوار لدينا، دهاليز جميعها تقودنا إلى ساحة شاسعة من التناقضات، نبتسم أمام بعضهم، وخلف الابتسامة شيء آخر لو ظهر لهم لمزق جمال تلك الابتسامة المصطنعة. نصرخ بصوت واحد: هناك مشكلة. وعندما نجتمع على طاولة الحوار لمعالجتها، كل واحد منا يريد أن يصدح بصوته فقط بالحل، والنتيجة «مشكلة مستعصية» رغم بساطة حلها. مقياس كفاءة الحوار لدينا في نظر بعضهم ليس فيما نملكه من جودة في المقومات الحوارية، وإنما بسؤال بسيط «وش ترجع»؟ والإجابة هي التي ستحدد أهليتك للحوار، ولأننا في وطن تأسس تحت راية واحدة، تجتمع تحتها كل الفروقات الاجتماعية، والتوجهات الفكرية، والانتماءات المذهبية، وكل المرجعيات، لذلك يفترض أن تكون هناك توأمة فكرية وثقافية واجتماعية بين كل تلك المكونات، وما دون ذلك من إقصاء وتمييز، نعتبره شاذاً واجبنا استنكاره، فما نراه من صور القمع للحوار بيننا لا يستوعبه أي عاقل، يؤمن بأن الحوار هو الصيغة التوافقية بين جميع الاختلافات، ومخرج جوهري لكل الخلافات، ولكن هناك مَنْ يريد بقمعه الحوار تفكيك «وحدوية المجتمع». قد يصبح الفكر الأحمق ناصعاً عندما تتغلب الفوقية على العقلانية، وتصبح لغة القمع فوق لغة التهذيب، التي هي أساس الحوار البناء، فمَنْ يرى كل مكونات المجتمع بعين تتلون حسب نوعية المرجع، وليس بنظرة وطنية، يستحق «فقء عينيه» لأن السواد هو ما يليق بهما. والخوف أن نجد غداً مَنْ يشترط رد السلام بالإجابة على هذا السؤال «وش ترجع»؟