مرضى الفشل الكلوي يذكرونني بقول الله تعالى: (وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب). يقول أطباء الكلية في العادة يعيش مريض الفشل الكلوي عشر سنوات قد يطول ما لم يقتله إنتان صاعق ونزف ماحق. اثنان من أولاد عمومتي ماتا بالفشل الكلوي ومعهما مصطفى الأعسر الأستاذ من الساحل السوري أتذكر موتهم بالفشل الكلوي لأن أجهزة الغسيل لم تكن في أيامهم متوفرة. مفاجأة الاختلاطات عجيبة في مرضى الفشل الكلوي. حين طلبت رؤية مريض ينزف من الفخذ قلت في نفسي إنها قسطرة سحبت من وريد الفخذ يكفي ضغط المكان فيسكت الوريد عن التلفظ بالدم. بعد ساعتين كان الرباط المشدود بإحكام يقول وبلون أحمر قات يا صديقي أنا أبصق الدم من مكان مختلف! النوم في مثل هذه الحالات تعني صباحا منحوسا بموت المريض وموت سمعة الطبيب المعالج بل فريق المعالجة هذا ما لم يتفرق دم المريض بين القبائل عفوا! فيلقي كل فريق باللوم على الآخر والميت ساكت لا يلوم أحدا! لابد من أخذ المريض لقاعة العمليات ففيها يظهر الخيط الأبيض من الخيط الأسود في التشخيص! يا ستار رفعت أصبعي عن مكان النزف فبصق الشريان الدم كأنه أفعى الصل تقذف بالسم أمتارا. هنا اللون أحمر. إنه تحدٍ جديد أن تدخل على المكان، ولكن الأيام دربتنا وهذبت أصابعنا في العلاج. وضعت أصبعي في الثقب مثل جحر أفعى فسكت الدم عن متابعة الكلام. تابعنا غسل المكان وتعقيمه، ثم وتحت المشرط وصلنا إلى قناة عجيبة من ممر شرياني تشكل في مكان القسطرة. إنه اختلاط يحدث والجديد فيه أن مسراه من شريان وليس من وريد. ضغط الوريد يوقف النزف ونزف الشريان يحتاج لجراحة. ليس الجراح الجيد من يجري جراحة ناجحة، بل اكتشاف المضاعفات في وقتها والسيطرة عليها. كان قرارا عبقريا في التداخل الجراحي في الوقت الذهبي. أنقذت المريضة وهتفت أنا: إنها معجزة الجراحة. إنها أول مرة أرى مثلها في خبرتي الممتدة لأكثر من ربع قرن. قلت إنا نتعلم كل يوم الجديد. ليت لي عمر نوح وصبر أيوب فأنقل خبراتي لمن بعدي؟ كل يوم نتعلم الجديد والمفيد أليس كذلك؟