إنّ الأمر لم يعد هيناً، فقد تجاوز كل حدود العقل والمنطق والأخلاق، ولو قُدّر لهذه البراميل المصطّفة كالحرس أمام بيوتنا أن تدّب فيها حياة لسفحت الدمع الغزير، ولتدحرجت صوب البر أو لألقت بنفسها في عرض البحر كي لا تُشهد الله على ما يقترفه هؤلاء القوم من آثام بحجم ما يُلٌقى في جوفها من أطعمة، وأدوية، وأغذية، وكساء، وأثاث، وكماليات، وأساسيات بلا أدب او تأدب مع المُنعم، ناهيك عن تلك الصناديق التي بحجم الغرف تحيط بالمطاعم وتسكن الفنادق وتئن بحِملها، ولو جُمعت أثمانها ووزعت على الفقراء فلن يكون هناك فقير يُمضي نهاره خاوياً وينام ليله طاوياً. ولا امرأة تقرحت عيناها من ضيق ذات اليد وطفل بائس يركض خلف القطط السارحة. إنّ الفقر نسبي، فالفقير في الدول الغنية يعد غنياً في الدول الفقيرة إذا تهيأت له أسباب العيش الكريم، ولن يتحقق ذلك إلّا بتكافل أبناء المجتمع الواحد، وليس من الشكر أنْ يعيش بيننا فقراء لا يجدون قيمة الدواء، ولا يفرحون بجديد الكساء، ومنهم من ينتظر أياماً في بداية كل عام دراسي لعل من الصالحين من يجود عليه بحقيبة طفله القديمة، أو ما فاض من ثيابه الثمينة وأحذيته التي تكدّست في خزائنه. إن الأمر قد تجاوز إسراف من يجدْ إلى سفاهة منْ لا يجدْ، وأصبح العبث بالنعم والتعالي عن صونها سمة في مجتمعنا الذي كان الأجدر به أن يمثل عدالة دينه ويتمسك بإرثه الأخلاقي، ولكنْ والأمر قد بلغ حدّ البطر فقدْ أصبحت الدولة ملزمة بإصدار تشريعات رادعة لمحاسبة ومعاقبة المتمادين في الإسراف قبل أن يعمنا الله بعذاب من عنده فيهلك الصالحون قبل المفسدين قال تعالى: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ) النحل،آية112