لم أكن أعلم أن شبكات التواصل الاجتماعي تسرق جل وقتي إلا بعد أن صدر قرار بمنعي من الكتابة، والاطلاع في هذه الشبكات، وبعد أن أصبحت مضطراً لكشف كافة حساباتي لجهة رقابية. لقد تغيرت حياتي منذ اليوم الأول، فبعد أن كنت أعتقد أنني منفتح على العالم، أتجول في كل أرجائه، وأطَّلع على مجريات الأحداث من ملايين المراسلين الشخصيين، والرسميين عبر العالم، اكتشفت أنني كنت أسيراً لجهاز صغير بحجم الكف «بقيت عليه عاكفاً» معظم وقت فراغي، ألهث خلف الأحداث المتسارعة، يشوِّش عليَّ تباين المواضيع، والحالات، والقصص، من نكتة إلى مجزرة إلى رأي فقهي غريب، ومن مقطع كوميدي أسود الى آخر تراجيدي يبكي، ومن موسيقى صاخبة إلى أخرى رومانسية، ومع هذا تريد أن ترد على هذا، وتشاكس هذا، وتتغافل عن غيرهما، وتستفزك مشاهد تريد أن توثقها في صورة، وتجذبك أخرى، وأنت خلف مقود سيارتك، وأنت في غابة مزعجة بالغة الضجيج لا تهدأ ليلاً ولا نهاراً! لا أخفيكم، صراحة، أنه بعد منعي من الكتابة، ووضع اليد على جميع حساباتي، أصبح في مقدوري الآن أن أحتسي كوب الشاي ساخناً قبل أن يبرد، وعدت إلى مكتبتي الصغيرة، أتصفح كتبي التي اقتنيتها ولم أجد وقتاً لقراءتها، وصرت أجلب الصحف الورقية، كما كنت أفعل منذ سنوات، وشعرت بأنني أستمتع باصطحاب أسرتي إلى أماكن الترفيه، ولا أجد ما يشوِّش على لحظاتي السعيدة، ولم تعد تدور بيني وبين ابني الصغير معارك كر وفر للاستحواذ على جهاز الجوال، ولأول مرة منذ زمن أستطيع أن أكمل مشاهدة برنامج تليفزيوني، أو فيلم سينمائي، وأصبح لدي وقت كبير للاسترخاء والتأمل. وأخيراً، بقي أن أقول شكراً من القلب لمَنْ منعني من الدخول إلى شبكات التواصل، ورضخت حباً له. شكراً زوجتي الحبيبة!