شدد مؤتمر «تحقيق الاجتماع وترك التحزب والافتراق واجب شرعي ومطلب وطني»، الذي عقد على مدار يومين بالجامعة الاسلامية في المدينةالمنورة، على نشر نصوص الكتاب والسنة المؤصِّلة للاجتماع والمحذّرة من التحزب والافتراق وعدم مخالفة رأي جماعة المسلمين فيما استقر عليه أمرهم من أمور تخدم تنمية روح المواطنة، وتحثُّ على توثيق اللُّحمة الوطنية ونبذ الشذوذ والمخالفة، كما أكّد المؤتمر ضرورة حماية النصوص الشرعية من التأويل الخاطئ، أو ليّ أعناق الوقائع والأحداث إلى أحكام أبعد ما تكون عن مقاصدها الحقيقية. وخرج المؤتمر بعدة توصيات في ختام أعماله أمس أكد من خلالها أن لزوم الجماعة أصل عظيم من أصول الإسلام، قد عظمت به وصية الله عزّ وجل في كتابه، وعظمت به وصية النبي -صلى الله عليه وسلم- في سنته، كما أكد المؤتمر أن الجماعة؛ هم الذين تمسكوا بهدي النبي وأصحابه في العلم والعمل، وتمسكوا بجماعة المسلمين وإمامهم، ولم ينزعوا يداً من طاعة لمَنْ وجبت طاعته، خلافاً لأهل الأهواء والبدع من الخوارج وغيرهم، وأن تصحيح الاعتقاد وتحكيم الشرع من أعظم الأسباب التي تحقق للمسلمين ألفتهم وتوحّد صفوفهم وتعينهم على لزوم الجماعة. وأوضح المؤتمر في توصياته أنه لا إسلام إلا بجماعة، ولاجماعة إلا بإمامة، ولا إمامة إلا بسمع وطاعة، إذ إن طاعة ولي الأمر لها مقاصد ومصالح عظيمة في الشريعة الإسلامية، بها تنتظم أحوال الأمة وتعتدل شؤونها ويستقيم أمرها، وأن مسؤولية المسلمين الدينية والوطنية تجاه أوطانهم ووحدتهم ومكتسباتهم عظيمة. ويعبّر المؤتمر عن تأييده للمنهج الشرعي، الذي تقوم عليه المملكة العربية السعودية وتطبيقها للكتاب والسنة في جميع أنظمتها وقراراتها وإجراءاتها للحفاظ على تماسك الجماعة ونبذ الفرقة والتحزب والتطرف ومحاربة الإرهاب بكل أشكاله وصوره، وملاحقة مرتكبي الأعمال الإرهابية ومثيري الفتن وتقديمهم للقضاء، وإنفاذ الأحكام القضائية فيهم دون تمييز لأي اعتبار غير شرعي تطبيقاً للشريعة الاسلامية الغراء بحماية الحقوق، وتحقيق العدالة والحفاظ على أمن المجتمع وردع كل مَنْ تسول له نفسه الإفساد في الأرض، كما يشيد المؤتمر بكفاءة السلطة القضائية في المملكة العربية السعودية المستمدة من الشرع الحنيف واستقلالها ونزاهتها. وأشاد المؤتمر بالجهود العظيمة، التي يبذلها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز لتحقيق الاجتماع ووحدة الصف وجمع الكلمة، ومن ذلك تكوين التحالف العربي والتحالف العسكري الإسلامي بقيادة المملكة العربية السعودية لمواجهة الأخطار المحدقة بالعالمين العربي والإسلامي. وأوصى المؤتمر العلماء والدعاة وطلاب العلم بإرشاد الناس وتوجيههم لا سيما الشباب إلى أهمية اجتماع الكلمة وخطورة الافتراق والتحزب وما يترتب على ذلك من عواقب خطيرة، كما يؤكد المؤتمر أهمية محافظة الأسرة على أبنائها لتلافي تورطهم في جماعات منحرفة أو إرهابية. وأكد المجتمعون في المؤتمر أن كثيراً من المواقف السلبية تجاه الأئمة وولاة الأمور مردُّها إلى جهل بعض الناس بواجب طاعة الإمام، أوإلى قِصَر نظرهم أو سوء نيتهم وقصدهم، وإن إصلاح ذلك إنما يكون بالإحاطة علماً بحكمها الشرعي وسعة النظر بمجالاتها والتحذير من العواقب الوخيمة والأضرار المترتبة على تلك المواقف السلبية نحو ولاة الأمور، تحقيقاً لاجتماع الكلمة، وحمايةً للوحدة الوطنية، ودعماً للجبهة الداخلية، ودرءاً للمؤامرات. وأوصى بالتركيز على تحقيق الاجتماع، ومقتضياته، ونشر ثقافته في المجتمعات الإسلامية، في إطار الضوابط الشرعية، عن طريق المساجد، والمؤسسات التعليمية والتربوية، والجمعيات الخيرية والدعوية، كما يحذر المؤتمر من أسباب مفارقة الجماعة، وصرفها عن حقيقتها ومنها؛ وجود الأحزاب والتنظيمات السرية. وشدد على أهمية توظيف تكنولوجيا الاتصالات الحديثة، في إنشاء مواقع علمية إسلامية موثّقة على شبكة «الإنترنت»، لترسيخ ثقافة الاجتماع ولزوم الجماعة، ورصد كل ما يقال أو يكتب ممّا يثير الفتن، ويكون سبباً في إحداث الفرقة والافتراق، ودراستها دراسة معمّقة من متخصّصين في جميع المجالات، والردّ عليها بمنهج علمي، وأسلوب واضح، وبلغات مختلفة. وطالب المؤتمر بأن تشتمل وسائل الإعلام المختلفة على مواد إعلامية مناسبة لكل مرحلة عمرية، يكون مضمونها التوعية بأهمية الجماعة المسلمة وطاعة ولي أمرها، والتحذير من الفرقة والاختلاف، ودور ذلك في دعم الوحدة الوطنية، والنهوض بالوطن، والحفاظ على أمنه ومكتسباته. وأوصى المؤتمر العلماء والمفكرين والإعلاميين ووسائل الإعلام المختلفة بأهمية تقديم مضامين ناضجة، مدعُمة بالنصوص، ومقدمة بمهنية، يتم من خلالها إبراز منهج السلف الصالح في مسألتي الجماعة وطاعة ولي الأمر، نظراً لتأثر الشرائح المجتمعية بالإعلام عموماً، وشبكات التواصل الاجتماعي خصوصاً. ورأى المؤتمر أهمية تفعيل مقصد الاجتماع والتآلف في منظومة التعليم والتربية، وتضمينُ مناهج التربية والتعليم في المستويات المختلفة لنصوصٍ من الكتاب والسنة متضمِّنةً الأمر بالاجتماع، ونبْذ التَّحزب والتَّنازع، ومؤكدةً الحِفاظ على اللُّحمة الوطنيَّة، والمكتسبات المشروعة الحافظة لكيان الأمَّة ومقوماتها. وحظي المؤتمر بقبول واهتمام كبيرين من العلماء والمفكرين والباحثين المتخصصين وطلبة العلم من داخل المملكة وخارجها،حيث قدم للمؤتمر (277) بحثاً، تم تحكيمها علمياً، واجتاز التحكيم منها (67) بحثاً، تناولت المواضيع المندرجة تحت محاور المؤتمر، وتم إلقاء ملخصاتها في (تسع) جلسات علمية، وقد حظيت بمداخلات علمية ومناقشات هادفة، شارك فيها الباحثون وضيوف المؤتمر من العلماء والمفكرين، من داخل المملكة العربية السعودية وخارجها.