عندما يمتلك إنسانٌ عقلاً مدركاً، وقلباً واعياً، وضميراً يقظاً، وتكون لديه الكفاءة الأخلاقية والنفسية، التي تؤهله لكي يستوفي دوره في التنشئة، يصبح جديراً بلقب مربٍّ. وحين يُدرك هذا الإنسان أنَّ أولى أولوياته هي تأمين الحاجات الضرورية للحياة، تلك الحاجات التي لخَّصها «ماسلو» في هرمه، وهي على الترتيب حسب الأولوية: الحاجات الفسيولوجية، والأمن، والحاجة الاجتماعية، والاحترام، وتحقيق الذات، فإنَّه بذلك يكون قد حقق الجانب الفطري الذي أودعه الله فيه، إنْ كان أمَّاً، أو أباً، وهو جانب مهمٌّ من المسؤولية التربوية، ولكن ليس كلها، وعندئذٍ يمكن أن نطلق عليه صفة الرعاية، فهو راعٍ وليس مربياً، قال صلى الله عليه وسلم: «كلكم راعٍ وكلكم مسؤولٌ عن رعيته». فإذا وفَّى بشروطها، وزاد عليها بأن تخلَّق بالرفق في معاملته مَنْ يرعاهم، وتعهدهم بالتأديب، وانتقى من القيم النبيلة أسماها، ليغرسها في وجدانهم الشفيف، وعزَّزها بقصة يرويها، أو حكمة يستشهد بها، أو موقف إنساني يحكيه، وإذا أحسَّ منهم جهالةً ستضرُّ بغرسه، عالجها بالتهذيب، ورعاها بالتوجيه من غير قسوة، فإنَّه يكون راعياً ومعلماً. أما إذا حرص على يقظة ضميره، فكان القدوة الصالحة لهم، فلا يأمرهم بأمر إلا ويكون قد سبقهم إليه، ولا ينهاهم عن فعل ويأتيه، ويراقب نفسه قبل أن يراقبهم، ويهذِّب طبعه قبل أن يهذِّبهم، ويقتصُّ من نفسه قبل أن يُقتصَّ منه، ولا يرونه على حال لا ترضي الخالق سبحانه، فيحقِّر نفسه، ويصغُر في عيون أبنائه، ولا يسمعون منه كلاماً قبيحاً، أو ألفاظاً نابيةً، فالأبناء شديدو الإعجاب بآبائهم، ويقلدونهم في كل شيء، لذا فالآباء هم المسؤولون عن قولبتهم، يقول المعري: وينشأُ ناشئَ الفِتيان منَّا ** على ما كانَ عوَّدهُ أبوهُ رحمك الله يا أبي الحبيب، فمهما عبَرتْ فوق رأسي السنون بعد رحيلك، ستبقى لي الراعي الكريم، والمعلم القدوة، والمربي الفاضل، فجزاك الله الفردوس الأعلى.