يُحكى أن مريضاً كان يصارع الألم، طريحاً على الفراش لا يقوى على المشي، أو الحركة في أحد مستشفيات الغرب، وكان إلى جواره مريض آخر، نصحه قائلاً: ليتك تعلم ما أجمل الطبيعة في الخارج: أمطار، وخضرة، ولوحة جميلة من المسطحات الخضراء، وأناس يضحكون، ويستبشرون بالحياة. وظل يردد عليه هذه الوصفة المجانية كل يوم، فما كان من المريض العاجز إلا أن تحرك من سريره، وخرج، وفتح النافذة، ثم عاد إلى المريض الآخر ليتفاجأ بأن ذاك المريض الذي كان ينصحه ليس سوى شخص أعمى، فقد بصره، ولكنه مازال يمتلك البصيرة. بهذه الجرعة البدائية استطاع هذا المريض الأعمى أن يُحرك مريضاً، ارتمى في ويلات المرض، وآهات العوارض. أعظم أعراض الأمراض العضوية والنفسية والروحية، هو تقمُّص المرض، وتلبُّس العوارض، والارتماء في أحضان اليأس والإحباط، وأول طريق العلاج يبدأ بضرورة بث الطمأنينة في المريض، ثم البدء بأولى جرعات العلاج قبل إدخاله المستشفى، إضافة إلى أهمية الدور الواقع على الطبيب، الذي يُعالج، ويُتابع حالته منذ البداية. في مستشفياتنا، خصوصاً في أقسام الطوارئ، تبدأ فصول المعاناة، وازدياد الأعراض على المريض بتركه يصارع آلامه بحثاً عن سرير شاغر، أو ممرض يكون في الغالب مشغولاً بهاتفه، أو طبيب «يتناول وجبة في إحدى الردهات»، أو حارس أمن «يُمطر المرافقين بالأسئلة»، أو مدير مناوب «خارج المستشفى». وما إن يقابل الطبيب حتى يسكته بمسكنات، ويطلب منه مراجعة طبيب مختص غداً. للطب أخلاقيات، وقد أوجعتنا «أسطوانات» تأهيل الأطباء والممرضين للتعرف على كيفية التعامل مع المريض، والجودة، وغيرهما، ولكننا لا نرى سوى وصفة سريعة مملوءة بالأدوية، ووصفات نفسية من سوء التعامل، والحديث المملوء بالوجع. بل إن هناك فصولاً من الألم في أقسام التنويم، فلا يأتي الطبيب إلى المريض إلا بطلب واسترحام من مرافقيه، وإن جاء، قدِم على عجل بوجه «عبوس قانط»، قائلاً كلاماً طبياً مباشراً، وعبارات قاسية، وكأنه يتعامل مع عدو له، فأين اللين، وحُسن المعاملة، اللذان يجب أن يكونا من أجندات الأطباء؟ بطبيعة الحال لا يوجد لدينا تدريب حقيقي للأطباء على فن التعامل مع المريض من حيث إعطائه جرعة نفسية للاطمئنان، وأخرى لليقين بالشفاء، وثالثة بأنه بخير، ورابعة مفادها بأن حالته مجرد أزمة بسيطة، وغيرها من ابتسامة، وكلام وخلق حسن، ما يعد وصفة سحرية يتخطى بها المريض أزماته الصحية، أو على الأقل النفسية منها. وفي مقالي هذا أقترح على وزير الصحة أن يتبنى برنامجاً وطنياً شاملاً لتنمية أخلاقيات الأطباء في تعاملهم مع المرضى، وتأهيلهم ليكون لديهم مهارات نفسية واجتماعية للتعامل مع الحالات المرضية، ومع المرافقين، وأن يتم توزيع استبيان في كل مستشفى في «أقسام الطوارئ، والتنويم، والعيادات الخارجية» وبأسماء كل الأطباء، ليتم تعبئتها من المرضى والمرافقين حول جودة التعامل في المستشفى، والمقترحات المناسبة التي يرونها، على أن تُسلَّم بشفافية إلى الجهة المسؤولة، بعيداً عن الصناديق السائدة، التي تحولت منذ عقود إلى مرمى للوصفات الطبية الخاطئة، أو الزائدة عن حاجة المريض.