لا أعتقد أن بمقدور الكاتب الذي سخّر قلمه لنفع القرّاء وإثراءِ عقولهم وتحريك قلوبهم وإيصال رسالةٍ هادفةٍ صادقةٍ نافعة؛ أن ينسج نصاً مؤثراً متكامل البنيان يرمي بكلماته وفكره في عقول وقلوب قرّاء نصه؛ إن أجبر قلمه على الكتابة إجباراً وطوّع الأبجدية رغماً عنها وجعل يفكر أي المواضيع أنسب وأفضل وأكثر تأثيراً، ولا أعتقد كذلك إن فعل ذلك أنه سيجد قبولاً ولا تأثراً من قرّاء نصه الذي صف كلماته لهم صفاً غير مختلجٍ بمشاعر عميقة بداخله، ولا فكرٍ مستنيرٍ يسترشد به في كتاباته، ولا قضيةٍ تشغل باله فيريد أن يدلي بدلوه فيها، أو أثرت فيه فحاول أن ينقل أثرها بفكره للقرّاء، بل أعتقد يقيناً أن المشاعر الجياشة والفكر الثري لدى الكاتب إن اجتمعا سوياً إزاء موقفٍ أو قضيةٍ أو أمرٍ ما، فسوف تنساب الكلمات والأفكار والآراء على مداد قلمه انسياباً يعجز الكاتب نفسه عن أن يوقف تدفقه وملكته. ومما لا شك فيه أن الكاتب أحياناً قد يتعرض لجفافٍ مؤقتٍ في القريحة، فيخالج نفسَه شعورٌ معقدٌ مُمل يحاول أن يهرب منه كل الهرب، فلذا تجده يحاول أن يمسك بقلمه كثيراً ويخط فلا يستطيع، وربما يكون ذلك نتيجةً لتوقف نبض الأحداث في حياته أو ازدحامها بشدةٍ أوقفت مؤقتاً جريان المشاعر والأفكار على قرطاسه، ولا أحبذ له أن يفعل ذلك ويطوّع قلمه كي يتفادى أن يخط بما لا يشعر، فينتج عن ذلك نص مشوه غير متجانس البنيان وغير مكتمل الأركان. ولأن الهدف الأسمى والرسالة الكبرى من الكتابة هي إيصال الفكرة والهدف سالمين من الترقيع تماماً، فيكونا صادرين عن عقلٍ مفكرٍ راجح، وقلبٍ مستشعرٍ يقظ، فيرميا بمضمونهما العميق في لب القارئ، فيلتمس القارئ عذوبة النص ونقاوته وجماليته، ويتشبع عقله بالأفكار الواردة فيه فيتم المراد. لذا فحريٌ بمعشر الكتاب ألا يخطوا إلا ما تمليه عليهم عقولهم وقلوبهم وليس ما يملونه هم على أقلامهم، إن كانوا يهدفون إلى محتوى ثري، ومضمونٍ يؤثر في العقول، ويحرك القلوب.