رغم عدم قدرته على دفع الأقساط؛ لم يدرِ علاء كيف يعبِّر عن سعادته عندما تسلَّم مفتاح شقَّته في مدينة حمد السكنية التي تموِّلها قطر في خان يونس جنوبي قطاع غزة. وفي ساحة واسعة؛ تجمَّع مئات ممن فازوا في القرعة التي أجرتها وزارة الإسكان في القطاع للحصول على شقَّة في المدينة الجديدة القريبة من الشاطئ. وسادت أجواء ارتياح بين المتجمعين، وعلت الابتسامات الوجوه وسط صياح ولهو الأطفال. وأوضح علاء «إنها أول مرة نذوق طعم الفرح الحقيقي منذ الحرب الأولى قبل 6 سنوات». وكان القطاع المُحاصَر شهد 3 حروب منذ أواخر عام 2008 خلَّفت دماراً هائلاً في البنية التحتية وتسبَّبت في إخلاء آلاف المنازل ومقتل وجرح آلاف الأشخاص. وسيتعين على علاء الفرَّا (30 عاماً) تسديد 170 دولاراً كقسط شهري على مدى 20 عاماً لتملُّك الوحدة المستلَمة. ووزارة الزراعة التي يعمل بها موظَّفاً جزءٌ من حكومة حركة «حماس» التي تواجه أزمةً ماليةً في تغطية رواتب 40 ألف موظف. وأفاد رئيس اللجنة القطرية لإعمار غزة، السفير محمد العمادي، في حفل افتتاح المرحلة الأولى من مدينة حمد السكنية أمس ب «إنجاز 1060 وحدة سكنية تمَّ تسليمها لأصحابها». وكشف أن المرحلة الثانية من المشروع المؤلَّف من 3 مراحل تشمل أكثر من 1200 وحدة سكنية تمَّ إنجاز 25% منها. وهذه المدينة التي تشرف على إقامتها اللجنة القطرية ووزارة الإسكان في حكومة التوافق الفلسطيني مخصَّصة لذوي الدخل المحدود وبينهم مئات من موظفي حكومة «حماس». وذكر وكيل مساعد وزارة الإسكان في غزة، ناجي سرحان، أن المدينة ستضم أكثر من 2500 وحدة سكنية بمتوسط مساحة 100 متر للوحدة مع مرافقها. وقدَّر السفير العمادي كلفة الألف وحدة سكنية ب «50 مليون دولار»، مشيراً إلى «إنجاز مشاريع بقيمة 230 مليون دولار من منحة إعادة الإعمار القطرية البالغة 407 ملايين دولار». ووصف علاء الفرا وضعه المالي بقوله «نحن من ذوي الدخل المحدود، ومن الصعب أن نسدِّد الأقساط المالية في ظل الوضع الراهن، ونأمل في حل أزمة الرواتب لنتمكن من السداد». وسيتم تغطية جزء من ثمن الشقق من المستحقات المالية لموظفي حكومة «حماس» لدى حكومة التوافق. وأكد علاء المقيم مع زوجته وطفليه في بيت عمِّه في خان يونس «أبلغونا أن الحكومة ستغطي دفعة من المستحقات المترتبة من رواتبنا، وهذا مقبول، لأنه ليس لدينا خيار آخر». وبدا جهاد دحلان (49 عاماً) سعيداً للغاية بعدما تسلَّم مع زوجته مفتاح شقتهما، وقال «أكاد أطير من الفرح (…) سننتقل فور الاستلام النهائي حتى دون أثاث». وجهاد، العاطل عن العمل، لديه 11 ولداً وبنتاً بينهم 5 معاقين، هم 3 صُمٌّ وكفيفان. وسيتمكن الفائزون في القرعة من الإقامة في وحداتهم السكنية «بعد الانتهاء من البنية التحتية وتركيب شبكات المياه والكهرباء والمجاري خلال 6 أشهر»، وفقاً لمصدر مسؤول. ويقيم جهاد، وهو من عائلة لاجئة من قرية حمامة قرب عسقلان، مع زوجته وأطفاله في غرفة في منزل حماته في مخيم جباليا للاجئين شمالي غزة. ومدينة حمد، التي أقيمت في المنطقة الساحلية فوق أنقاض مستوطنة «غوش قطيف» التي أخلاها المستوطنون في 2005، مصممة وفق مواصفات عالية الجودة، بحسب العمادي، إذ تضم مدرسة ومستوصفاً طبياً ومسجداً ومجمعاً تجارياً وملعب كرة قدم وحدائق. وعلى واجهة المباني المؤلفة من 7 طبقات؛ وُضِعَت صور ضخمة لأمير قطر، تميم بن حمد، والأمير السابق، حمد بن خليفة آل ثاني، والرئيس الفلسطيني، محمود عباس. ولاحظ وزير الإسكان والأشغال في حكومة التوافق، مفيد الحساينة، أن «غزة تحتاج إلى أكثر من 130 ألف وحدة سكنية» بدلاً من تلك التي دمرها الاحتلال خلال حرب شنها على القطاع الصيف الماضي. وشدد الحساينة على «ضرورة إنهاء الحصار وإدخال كافة مواد البناء دون قيد أو شرط لنعيد الحياة كما كانت». وبعد حصوله على عقد ملكية شقته؛ قال أحمد، الذي فضل عدم ذكر اسمه كاملاً، إنه يتمنى من قطر مساعدة ذوي الاحتياجات الخاصة في حل أزمة السكن. وأحمد شاب مقعد إثر إصابته برصاصة إسرائيلية في حرب نهاية عام 2008. ويوجد في القطاع آلافٌ من ذوي الاحتياجات الخاصة بسبب الحروب. ودمرت إسرائيل أكثر من 10 آلاف منزل كلياً أو جزئياً في حرب الصيف الماضي، ولم يتم إعادة بناء سوى عددٍ قليلٍ جداً من المنازل والمنشآت المهدمة؛ نتيجة بطء إدخال مواد الإسمنت وعدم توفُّر الدعم المالي الكافي. وتحدثت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أُنروا) عن مواجهتها أزمة مالية في إعمار 9 آلاف منزل دُمِّرَت كلياً في الحرب الأخيرة. وبعدما وجَّه نائب رئيس «حماس»، إسماعيل هنية، الشكر إلى دولة قطر على تمويل المدينة السكنية؛ قال موجِّهاً كلامه لحكومة الاحتلال «دمرتم المؤسسات والمباني والمدارس وقصفتم الآمنين، وها نحن بعد 7 سنوات نقيم المدن والمباني والعمارات»، معتبراً أن «اليوم هو يوم ترسيخ الانتصار لهذا الشعب ولكل من وقف معه».