ما نزرعه اليوم سوف نجنيه غدا، وكيفما نسقيه سيؤتي ثماره على شاكلة سقيانا. فنحن في هذا الوطن كالبذور التي تناثرت على أديمه، وتناسلت من خيره، واستمدت طاقتها من ضياء شمسه، وارتوت من ينابيع مائه، تجذرت في أعماقه، فامتدت أغصانها وارفة تعانق سماءه، تنحني للريح لكي تعبر ولا تنكسر. إنّ حبّ الوطن غريزة وعقيدة، فهو غريزة لأنّه شعور يشترك فيه الإنسان والحيوان وكائنات أخرى، فيعمل كمحرض على حمايته من الدخلاء والدفاع عن أمنه ومكوناته من الخصوم والأعداء. وهو عقيدة فالعقيدة ليست إلّا لمن له عقل مستنير يرشده، وقلب واعٍ يطمئن إليه وهذه من خصائص الإنسان، قال تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا) الإسراء الآية 70. فالغريزة شعور فطري لا دخل لأحد في إيجاده أو إلغائه، أمّا العقيدة فهي قيمة مكتسبة توجد وتنمو في وجدان الفرد لأسباب عديدة منها الثقافة السائدة في بيئته أو التقاليد والأعراف التي نشأ عليها، وتكون في أوج قوتها إذا نتجت عن تربية نفسية وأخلاقية اجتهد المربون في غرسها في نفوس الصغار بكلّ وسيلة طيبة، وتعهدوها بالرعاية وسقوها من منابعها الأصيلة، فإذا آمنّا بذلك كان لزاماً علينا أن نعيد النظر في بعض المفاهيم التي غُيبت قسراً عن أذهان أبنائنا، وأولها (الوطنية)، ولنرسمها عنوانا يزيّن واجهة ثقافتنا الجديدة، فلقد مرّت عقود تعرض فيها للطعن والتشكيك في صحة عقيدته الدينية كلّ من يؤمن بها وينادي بوجوب إعلائها. إنّنا إن مكنّا المفهوم الصّحيح للوطنية من وجدان أبنائنا فإنهم حين يكبرون لن يخونوا الوطن ولن يسرقوه، وسيكونون عيونا ساهرة تترصد للمفسدين وتفضح المتلاعبين بأمنه، وسيفتحون نوافذ جديدة على مستقبل مشرق بإذن الله.