مدَّ الرئيس الفرنسي، الذي يطرح نفسه في موقع الأب لبلادٍ أدمتها الاعتداءات، اليدَ إلى المعارضة اليمينية، نافياً عن توجُّهِهِ صفة «المناورة»، لكن هذا التحول السياسي لا يقنع الرأي العام. وأبرزت جميع وسائل الإعلام الفرنسية أمس الأول صورة مصافحةٍ في شمال البلاد بين الرئيس الاشتراكي، فرانسوا هولاند، والرئيس الجديد للمنطقة، كزافييه برتران. وانتُخِبَ برتران، وهو وزيرٌ سابق في عهد الرئيس نيكولا ساركوزي وعضو في حزب الجمهوريين اليميني، بفضل أصوات اليسار لقطع الطريق على اليمين المتطرف. واعتبر هولاند أمس أن «المهم، وهذه هي الروح التي اقتدي بها، التصرُّف بحيث يبدأ الحوار قدر المستطاع، لا سيما مع المعارضة حين تكون لديها اقتراحات تقدمها». وعرَّف المطلوب بأنه «السعي إلى الوفاق بما هو لمصلحة البلاد» و«ليس البحث عن مناورات غامضة لا تتطابق مع تصوري للحياة السياسية». وذكر في هذا السياق الكفاح ضد الإرهاب بعد سلسلتي الاعتداءات الدامية غير المسبوقة اللتين ضربتا البلاد في يناير ونوفمبر الماضيين، مشيراً أيضاً إلى مكافحة البطالة المتفشية التي تبقى الثغرة الكبرى في ولايته. وكان كزافييه برتران تخلَّى عن مهامه كرئيس بلدية ونائب وعدَل عن الترشح للانتخابات التمهيدية قبل الانتخابات الرئاسية في 2017؛ ليُكرِّس نفسه لمنطقة الشمال في خطوةٍ نادراً ما تشهدها الحياة السياسية. وعلى إثر ذلك؛ اقترح رئيس الوزراء اليميني السابق، جان بيار رافاران، على اليسار الحاكم ميثاقاً جمهورياً ضد البطالة يتمُّ وضعه في يناير؛ في عرض سارع رئيس الوزراء، مانويل فالس، إلى تأييده، وهو الذي لطالما انتقد الانقسام التقليدي بين اليمين واليسار. وكشف استطلاع للرأي أجراه معهد «أودوكسا» مؤخراً لحساب صحيفة «لو باريزيان» عن تأييد 68% من المواطنين تقارباً سياسياً بين اليسار والوسط واليمين. وشدَّد هولاند على أن الهدف هو امتلاك «إرادة مشتركة في مواجهة المسائل الأساسية»، مبدياً عزمه على تخطي الانقسامات من دون إنكارها «لأنها المبادئ التي تقوم عليها ديمقراطيتنا»، بحسب تعبيره. وإزاء هذه الإرادة الإيجابية من اليسار واليمين؛ يبقى الفرنسيون في الوقت الحاضر حذرين. وتبقى أعين الجميع نصب الانتخابات الرئاسية المقبلة، إذ تتوقع الاستطلاعات تصدُّر زعيمة اليمين المتطرف، مارين لوبن، النتائج في الدورة الأولى مع انتقالها إلى الدورة الثانية وفق سيناريو تحقَّق مع والدها، جان ماري لوبن، عام 2002، ما أثار في حينه انتفاضةً أوصلت المرشح اليميني، جاك شيراك، إلى الرئاسة ب82.1% من الأصوات مقابل 17.9% لخصمه. واليوم؛ تشير استطلاعات الرأي إلى حصول حزب الجبهة الوطنية الذي تتزعمه لوبن على حوالي 30% من أصوات الناخبين، بينما يهدف التوافق الذي يدعو إليه هولاند إلى منع وصول اليمين المتطرف إلى رأس السلطة. ولا يغيب عن ذهنه أفق الانتخابات الرئاسية التي لا يضمن انتقاله فيها إلى الدورة الثانية في ظل تراجع شعبيته إلى مستويات متدنية منذ توليه الرئاسة. وعنونت صحف الجمعة مُعلِّقةً على نيات الرئيس «قنص أصوات في الوسط» و«جرم مشهود مُدبَّر بدقة». وكتبت صحيفة «ليست ريبوبليكان» أن «مهارة السياسي تكمن في ركوب قطار الأحداث»، فيما رأت صحيفة «لا ريبوبليك دو سنتر ويست» في الوفاق الذي ينادي به الرئيس مناورة سياسية، مُعتبِرةً أن هدفه «إسقاط الجبهة التي كان الرئيس السلطوي ساركوزي يدعي الاستناد إليها». وكتبت صحيفة «لوبينيون» من جهتها «إننا بعيدون كل البعد عن التجديد الذي يطالب به الفرنسيون» متسائلة «لماذا اليوم في حين أن اليد التي مدها فرنسوا بايرو (وسط يمين) لم تلقَ استجابة عام 2012؟».