وقَّع أعضاءٌ في البرلمانين المتنازعين في ليبيا اتفاقاً برعايةٍ دوليةٍ أمس في منتجع الصخيرات المغربي لتوحيد سلطتين تتقاتلان على الحكم، بينما لم توضِّح الوساطة الأممية كيفية ممارسة حكومة الوحدة الوطنية المفترَضة عملها، ما أشاع غموضاً سياسيَّاً. وحضر الموقِّعون على الاتفاق بصفتهم الشخصية، بحسب رئيس مجلس النواب المعترف به، عقيلة صالح، ورئيس المؤتمر الوطني العام، نوري أبوسهمين. ويدفع صالح وأبوسهمين في اتجاه تبني اتفاقٍ بديلٍ دون وساطة بعثة الأممالمتحدة المعنيَّة بالأزمة. وجرى توقيع اتفاق الصخيرات في حفلٍ حضره دبلوماسيون ووزراء خارجية دول أوروبية وعربية بينها المغرب وتونس وإسبانيا وإيطاليا وتركيا. ووسط تصفيق الحاضرين؛ وقَّع على وثيقة السلام العضو في المؤتمر الوطني العام، صالح المخزوم، والعضوان في مجلس النواب المعترف به، محمد شعيب وفتحي بشاغا، والرئيس السابق للمفوضيَّة الليبية العليا للانتخابات، نوري العبار. وتصافح المخزوم وشعيب، فيما تلا مشاركون النشيد الوطني الليبي. وتوالت التوقيعات من قِبَل أعضاء في البرلمانين بواقع نحو 80 من مجلس النواب المعترف به «يضم 188 عضواً» ونحو 50 من المؤتمر الوطني العام «136 عضواً»، إضافةً إلى شخصيات سياسية أخرى وممثلين عن المجتمع المدني. واختُتِمَت التوقيعات بتوقيع رئيس بعثة الأممالمتحدة، الدبلوماسي الألماني مارتن كوبلر، وسط تصفيق الحاضرين وترديدهم الهتافات. وينص الاتفاق على توحيد السلطتين المتنازعتين على الحكم منذ عام ونصف العام في حكومة وحدة وطنية تعمل إلى جانب مجلس رئاسي وتقود مرحلة انتقالية تمتد لعامين وتنتهي بانتخابات تشريعية. ومن المقرر أن تكون طرابلس مقرَّاً للحكومة التي سيرأسها رجل الأعمال، فايز السراج، على أن تضم 17 وزيراً بينهم امرأتان. وتخضع العاصمة منذ صيف 2014 إلى سيطرة تحالف جماعات مسلحة تحت مسمى «فجر ليبيا» تتبع حكومة غير معترف بها موالية للمؤتمر الوطني العام. وبدا العضو في المؤتمر، محمود عبدالعزيز، غير متفائلٍ بما جرى في الصخيرات، متوقعاً أن «تزيد هذه الخطوة بالتأكيد تعقيد المشهد». وأوضح عبدالعزيز «لدينا حكومتان وبرلمانان ونسختان من كل مؤسسة رسمية، واليوم قد يصبح لدينا حكومة ثالثة بدلاً من توحُّد السلطتين المتنازعتين». ورغم غياب آلية واضحة تشرح كيفية تطبيق اتفاق الصخيرات على الأرض؛ قال كوبلر في بداية حفل التوقيع «إنه يوم تاريخي». ولاحظ أن «الباب لا يزال مفتوحاً أمام أولئك الذين لم يحضروا اليوم»، داعياً «الحكومة الجديدة إلى أن تعالج بشكلٍ عاجلٍ بواعث القلق لدى الأطراف التي تشعر أنها مهمَّشة». وتوجَّه الدبلوماسي الألماني بالحديث في مؤتمر صحفي أعقب حفل التوقيع إلى فايز السراج قائلاً «سيادة رئيس الوزراء.. أنا لا أحسِدُك على منصبك». وفي المؤتمر نفسه؛ رأى صالح المخزوم أن «التاريخ يقف اليوم شاهداً على محطة من أهم محطات مسيرة الثورة نحو بناء الدولة الليبية»، واصفاً التوقيع على الاتفاق ب «الخطوة الأولى في سبيل تحقيق أمن بلادنا واستقرارها». وقدَّم المخزوم نفسه على أنه ممثل المؤتمر الوطني العام، رغم إصدار المؤتمر أمس الأول بعد جلسةٍ حضرها 73 عضواً من بين 136 بياناً أكد فيه عدم تفويضه أحداً من أعضائه «لا بالمشاركة ولا بالتوقيع على أي اتفاق في المغرب». وكان المخزوم ترأس لجنة الحوار المكلَّفة من قِبَل المؤتمر بالمشاركة في جولات الحوار برعاية أممية، قبل أن تجري تنحيته عن مهمته في أغسطس الماضي ليحلَّ محلَّه عوض محمد عبدالصادق. وعشيَّة التوقيع على اتفاق الصخيرات؛ ذكر رئيس المؤتمر الوطني العام، نوري أبوسهمين، أن «الموضوع الجوهري هو أن ما بُنِيَ على باطل هو باطل»، مُجدِّداً التأكيد «لم يُمنَح أي تفويض من المؤتمر الوطني بالتوقيع سواءً بالأحرف الأولى أو بالتوقيع النهائي أو بعقد اتفاقيات، ولذا فإن الأمر يبقى دائماً خارج إطار الشرعية». وكان أبوسهمين يتحدث بعد ساعاتٍ من اجتماعه برئيس البرلمان المعترف به دولياً، عقيلة صالح، في مالطا الثلاثاء في أول لقاء بينهما منذ اندلاع النزاع على السلطة في صيف العام الماضي. وأكد المسؤولان، في مؤتمر صحفي أعقب لقاءهما في فاليتا، أن «الموقعين على اتفاق الأممالمتحدة لا يمثلون البرلمان المعترف به أو المؤتمر العام، وإنما يوقعون عليه بصفتهم الشخصية»، معلنَين عن تبنيهما «اتفاقاً (ليبيَّاً – ليبيَّاً) ينص على تشكيل حكومة وحدة وطنية بحلول نهاية العام» لكن دون وساطة الأممالمتحدة. ويتطلع المجتمع الدولي إلى توحيد السلطة في ليبيا لمواجهة موجات الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا وخطر تمدُّد تنظيم «داعش» الإرهابي الذي يسيطر على مدينة سرت (450 كلم شرق طرابلس) منذ يونيو الماضي. وتعهد المجتمع الدولي بتقديم دعم سياسي لحكومة الوحدة الوطنية مع احتمال مساندتها عسكريَّاً إذا طلبت ذلك.