تلعب منصات التعليم الإلكتروني المفتوح دوراً مهماً بصفتها إحدى الأدوات، التي تدعم الانتقال إلى اقتصاد المعرفة، ومجتمع المعرفة، وتتميز المملكة العربية السعودية ببنية تحتية متطورة عالمياً في مجال الاتصال والانتشار، ويلعب التوزيع الديموغرافي للسكان دوراً في ذلك، حيث إن مَن هم دون الثلاثين عاماً يشكِّلون نسبة 70% من السكان، وبالتالي فإن فرص استخدامهم التقنية أعلى، ومع وجود البرنامج الطموح للابتعاث منذ ما يقارب عشر سنوات، اكتسب كثير من الشباب السعودي كثيراً من الخبرات والمعارف والمهارات، التي يمكن نقلها ليس فقط إلى أماكن عملهم حين عودتهم سواء في المجال الأكاديمي، أو العملي التطبيقي، بل إنه يمكن نقل تلك المعارف والخبرات عبر المنصات الإلكترونية إلى ما وراء الجغرافيا والمكان، ومن حسن الطالع والفخر أن عدداً جيداً من تلك المنصات تأسست في المملكة، وهي لا تخدم السعوديين فقط، بل تتخطى ذلك إلى خدمة ما يقارب 400 مليون مواطن عربي، وبهذا فإن هذه المنصات الإلكترونية للتعليم المفتوح تشكِّل فرصة كبيرة جداً، وخطوة مستقبلية في مجال ريادة الأعمال والاستثمار المستقبلي، ولكن يجب أن نطرح السؤال التالي، وهو: لماذا نستثمر في مثل هذه التقنيات؟ أولاً لما تمثله هذه المنصات من طرق تعليم غير مفتوح، فهي تتجاوز بذاتها كل عقبات العمر والجنس والجغرافيا، وبالتالي يصبح العلم غير محصور في فئة معينة من الطلاب، بل إن الجميع يمكن أن يصبح طالباً. ثانياً يمكن من خلال هذه المنصات استغلال الوقت، حيث إنها لا تشترط الولوج في ساعات يحددها الأستاذ، بل يكون ذلك حسب وقت الطالب نفسه، أو الدارس. ثالثاً تنوُّع العلوم والخبرات من شتى التخصصات الفرعية، التي لا تخضع إلى التقليدية الأكاديمية في اختيار التخصصات، بل يمكن لأي شخص أن يتعلم، ويدرس مادة في علم النفس، وأخرى في الصوتيات، أو في علم الحيوان، أو في البرمجة، ومن هنا أُسِّست تلك المنصات ل «موسوعية التعليم»، وهي فرصة كذلك لعمل اختراقات علمية في مجال تداخل العلوم، وتأثيرها، ما يعزز عمل الباحثين، أو يُكسبهم خبرات تركيبية، وقد تحدث عن العقل التركيبي «هوارد جاردنر» في كتابه «العقول الخمسة القادرة على قيادة المستقبل»، وذكر منها العقل التركيبي، وهو ذلك العقل الذي يمكن أن يركِّب «منهجيتَين» أو أكثر، ويستفيد من أكثر من علم. يمكن لكثيرٍ من أصحاب الخبرات الفريدة طرح تلك المهارات بشكل مجاني، أو بشكل مدفوع، ورمزي، ما يشكِّل فرصة استثمارية، ويخلق سبلاً للكسب من خلال تلك العملية التعليمية، وكذلك يوفر للأكاديميين فرصة لنشر علومهم المختلفة، وخبراتهم، ما يؤدي في المستقبل إلى إنتاج فرص، تُبنى على ذلك المحتوى المتخصص سواء من ناحية التطبيقات، أو الانتقال إلى مرحلة أعلى من ناحية الحاضنات العلمية المتخصصة، التي يمكن بعد ذلك أن تشكِّل مراكز استشارات علمية، وبيوت خبرة، تكون فيها المعلومات السلعة، التي يمكن استثمارها في شتى النواحي التطبيقية للعلوم، علاوة على ذلك فإن سوق العمل في تطور مستمر، ويحتاج إلى عدد متنوع من المهارات، ومن هنا سيتحقق من خلال تلك المنصات الإلكترونية للتعلم المفتوح «تجسير» تلك الفجوة ما بين المهارات المطلوبة لسوق العمل، والشهادة التقليدية، التي تحصَّل عليها الموظف. ولأن كل عمل لا يخلو من تحديات، فإن التقليدية الأكاديمية، وعدم الاعتراف الأكاديمي يشكِّلان تحدياً لمثل تلك المنصات، ومن ناحية أخرى تشكِّل المادة العلمية وجودتها كذلك تحدياً لضمان استمرارية الاستفادة منها، ومن هنا يمكن العمل على بعض مؤشرات الأداء لصالح جودة المحتوى، علاوة على مشاركة الطلاب في التقييم، الذي يمكن الاستفادة منه فيما بعد من قِبل القائمين على تلك المنصات. هناك أيضاً إشكالية أخرى، وهي مسألة الملكية الفكرية للمواد العلمية، خاصة فيما يتعلق بتوفير المراجع، والمواد العلمية، حيث يمكن أن يحدث تعارض بين بعض التطبيقات والممارسات، وحقوق الملكية الفكرية للكتب وغيرها، ويمكن تخطي هذا الأمر عن طريق الاعتماد على المصادر المفتوحة، أو إعادة كتابة المادة، والإشارة إلى المواد الأصلية حفظاً للحقوق الأدبية. يمكن لمثل هذه المنصات العمل في الأماكن، التي تشهد ظروفاً لا تسمح للطلاب بالوجود على مقاعد الدراسة، ومن هنا أصبح هذا الأمر مشجعاً للشركات والأفراد للاستثمار في مثل هذه المبادرات، ودعمها، خصوصاً أن الشركات مطالبة بأن تساهم في نشر العلم والوعي انطلاقاً من دورها في تعزيز المسؤولية الاجتماعية .