يعود تاريخ واحة القطيف باعتبارها أرضاً شديدة الخصوبة, محاطة بغابات النخيل إلى أكثر من 5000 عام، كما أن وفرة المياه العذبة التي كانت تتدفق من 170 عينا تقريبا, أروت الأراضي الزراعية, وجعلت محاصيل المحافظة تتنوع بين الرطب والتمور ذات الجودة العالية، والفواكه والحمضيات, والخضروات, غير أن عدة عوامل اجتمعت لتساهم في انحسار الرقعة الزراعية حتى اقتربت تلك الواحة من الوصول إلى التصحر الكامل, الأمر الذي خلف آثاراً خطيرة على البيئة, بالإضافة إلى نقص الإنتاج الزراعي, وغيرها. لا نور لا هواء يأسف إبراهيم الفوير (33 عاما), وهو أحد سكان القطيف, على ضياع “تراث النخلة” على حد تعبيره, ويتذكر كيف كانت القطيف غابة من النخيل حتى وصفتها بنت الشاطئ بأرض السواد, يقول: “انحسرت الأراضي الزراعية, إلا من استراحات صغيرة هنا وهناك، حُفرت فيها برك السباحة, ويتم استئجارها بأكثر من 600 ريال لليوم الواحد”, ويضيف لولا تلك الاستراحات لتحولت القطيف إلى أرض جرداء. بينما يجد الرئيس السابق لجمعية مضر الخيرية عبد الله الجارودي, الحل في فتح مخططات سكنية, وتزويدها بالخدمات في المنطقة الواقع بين الأوجام, والمطار. عوضا عن استخدام الأراضي الزراعية لهذا الغرض (التمدد الأفقي), ويوضح ارتفاع إيجار الشقق والذي قد يصل 30 ألف ريال سنوياً, بسبب زيادة الطلب على السكن، وقلة المخططات السكنية المتاحة”, وبيّن الجارودي: كيف ازداد بناء الطوابق الإضافية المخالفة فيما يعرف بالتمدد الرأسي، لذات السبب السابق، وهو ما خلق مشكلة ضعف التهوية, ووصول ضوء الشمس بين المباني, و تحديداً في الأزقة الضيقة.
أسعار الأراضي تغري بالبيع أعترف أحد ملاك الأراضي الزراعية رضا عبد الله وهو متقاعد من أرامكو.. أنه قام ببيع أرضين زراعيتين بلغ مجموع مساحتهما 8000 متر مربع بأكثر من 10 ملايين ريال, وبين أنه ليس الوحيد في ذلك, فأغلب ملاك الأراضي يغريهم ارتفاع الأسعار الناتج عن الطلب المتزايد على الأراضي السكنية، وشحها في المقابل, وأضاف: “ساهمت العديد من العوامل في دفعي لبيع أرضي, ومنها رخص ثمن المنتجات الزراعية, من تمور وفواكه, وخضروات، الأمر الذي يجعل الاعتماد عليها كمصدر للدخل عديم الجدوى, وكذلك عدم وجود مصانع لتعليب التمور, وتوزيعها وبيعها، إضافة إلى ارتفاع أسعار السماد وأجرة اليد العاملة”. أختفاء كامل الرقعة الزراعية و نضوب المياة الجوفية قالت أستاذة الجغرافيا في جامعة الدمام باسمة الغانم أن عقدين أو ثلاثة على الأكثر تفصلنا عن اختفاء كامل الرقعة الزراعية في القطيف, فبين عامي 1988 و 1998م تناقصت مساحة الأرض الزراعية من 7319 إلى 7020 هكتارا، وهو معدل تناقص كاف لتحول المنطقة إلى أرض للإسمنت والحديد فقط, إذا استمر بنفس الوتيرة, وتعزو الدكتورة باسمة السبب الرئيسي وراء انحسار الأرض الزراعية إلى العامل البشري، فمن الطبيعي أن الزيادة المطردة في عدد السكان من 180,933 عام 1974م, إلى 524،182 عام 2010م، ستدفع بالتمدد العمراني على حساب الأراضي الخصبة المحيطة, وأضافت ومن العوامل نضوب المياه فيما يزيد على 150 عينا, وذلك بسبب الاستهلاك المفرط في سحب المياه، و استفادة الكثير من ملاك الأراضي من (الواسطة) للحصول على تصاريح من وزارة الزراعة لحفر عدة أبار مخالفة لما قررته الوزارة، و استخدامها في تزويد المسابح – التي تؤجر باليوم- بالمياه, وهو ما يؤدي أيضا لتناقص منسوب المياه الجوفية, وبالتالي لزيادة ملوحة التربة والانخفاض في إنتاج المحاصيل. وتضيف: “يتمثل الحل في جانبين الأول تحديد النسل لتخفيف الاكتظاظ السكاني, والأخر استخدام الأراضي الواقعة غرب القطيف للسكن”. والجدير بالذكر أن الدكتورة باسمة الغانم, أجرت دراسة عن تصحر واحتي القطيف والأحساء شملت 56 موقعا, واستمرت الدراسة أربع سنوات، انتهت في عام 2007م, نالت على إثرها درجة الدكتوراه.
ويقول مسؤول إدارة التخطيط العمراني في أمانة الشرقية شجاع الغامدي في الرسالة التي قدمها لنيل درجة الماجستير, حول خطة تطوير قرية القديح الواقعة ضمن المحافظة، أن تعمد إهمال المزارعين لأراضيهم لغرض الحصول على موافقة البلدية على تحويلها لأراض سكنية، ينطوي على عدة مخاطر منها تحولها لمستنقعات, وبالتالي فإنها تصبح مصدراً للحشرات الخطيرة، إضافة لكونها أماكن مهيأة لاشتعال الحرائق التي تدمر جميع المزارع المجاورة سواء كانت مزروعة, أو غير مزروعة. و قد أثبت استفتاء أجرته الشرق على عينة عشوائية مكونة من 100 شخص أن 76 بالمائة من سكان القطيف يفضلون السكن ضمن حدود المحافظة عوضا عن الانتقال إلى أي مدينة خارجها, وهو ما يزيد من تفاقم مشكلة الاكتظاظ السكاني. يوضح الناطق الإعلامي لهيئة الأرصاد وحماية البيئة حسين القحطاني, أن التصحر هو مشكلة تعاني منها المملكة عموما, وتؤدي لضعف تماسك التربة وإثارة الأتربة وموجات الغبار, بسبب الرياح النشطة, كما أن تناقص المسطحات الخضراء يرفع من درجة الحرارة, وتلوث البيئة.
وحدات ارشادية لدعم المزارعين يقول مدير عام الإدارة العامة لشؤون الزراعة بالمنطقة الشرقية سعد عبد الله المقبل: “قامت وزارة الزراعة بتوزيع أراض زراعية تزيد مساحتها عن أضعاف ما تم تحويله إلى أراض سكنية, وقدمت المساعدات المالية, والآلات للمزارعين, وأضاف أن الوزارة توافق على تحويل الأرض الزراعية إلى سكنية, إذا تقدم المالك بطلب ذلك, وكانت الضوابط المنظمة لتحويل الأرض الزراعية إلى أرضٍ سكنية منطبقة على الأرض, كما أن أغلب الأراضي التي يتم الموافقة على تحويلها, واقعة ضمن المناطق العمرانية, وصغيرة المساحة وموزعة بين الأفراد عن طريق الإرث, كما قد يصدر قرار من مجلس الوزراء بملكية بعض الأراضي الواقعة ضمن العمران لوزارة الشؤون البلدية والقروية, أما ما عدا ذلك فينطبق علية نظام الأراضي البور في وزارة الزراعة. و يضيف: “شجعنا المزارع على الاستمرار في عمله عن طريق وحدة إرشادية تضم مجموعة من المهندسين الزراعيين موزعة على شكل فرق ميدانية مهمتها دعم المزارعين من خلال تأمين المبيدات الزراعية ومواطير الرش وغيرها, إضافة إلى الندوات و المحاضرات, وورش العمل لدعم النهضة الزراعية في المنطقة”.
مخطط ارشادي لاستخدامات الاراضي حتى عام 1450 ه و يبين مدير العلاقات العامة والإعلام في أمانة المنطقة الشرقية محمد الصفيان أنه لمنع تحويل الأراضي الزراعية إلى سكنية، شكلت لجنة بالتعاون مع جهات الاختصاص لعمل مخطط إرشادي يوضح استخدامات الأراضي المختلفة (سكني -زراعي – صناعي) حتى العام 1450ه, بحيث لا يمكن لأي كان مخالفة الاستخدامات المعتمدة للأرض بالمخطط، إضافة لمساهمة المخطط في اقتراح مناطق شاسعة للاستخدام الزراعي, شمال وغرب محافظة القطيف تفوق المساحات المزالة بعشرة أضعاف, وأوضح أن التطبيق الحازم لهذا المخطط سيدفع بالمزارعين للحفاظ على أراضيهم. الزراعة | القطيف | النخيل