أدرك الملك عبد العزيز أهمية الإعلام في خدمة مشروعه الوحدوي، ومخاطبة الرأي العام الخارجي، والرد على الحملات الإعلامية التي تثار ضده وضد دولته وسياساته وتوجهاته، وعمل على الاستفادة من كافة الوسائل المتاحة حينها. فمن إصدار جريدة أم القرى بُعيد ضمه الحجاز عام 1923م، إلى تأسيس مديرية المطبوعات عام 1926م، إلى إنشاء مجلس الدعاية والحج عام 1936م، إلى التطورات اللاحقة في الإعلام، لكن ما يهمنا في هذا المقال هو تعامل الملك عبد العزيز مع الإعلام الخارجي و الحملات المضادة. يقول الدكتور عبد الرحمن الشبيلي عن الإعلام الخارجي في عهد الملك عبد العزيز: ومن أكثر صور الإعلام الخارجي في عهد الملك عبد العزيز، ما اتسم به من إيفاد مبعوثين إعلاميين إلى دول إسلامية بهدف الدفاع عن المملكة، وتوضيح مواقفها وشرح سياساتها وتزويد الصحف العالمية بمعلومات عن أوضاعها، فكانوا بذلك أشبه بالملحقين الإعلاميين في وقتنا الحاضر، كانت تلك الدعايات تشكك في استتباب الأمن في الحجاز وتشوه الأسس العقدية للحكم السعودي، وتبالغ في وصف القسوة التي تتسم بها تطبيقات أحكام الشريعة الإسلامية في ظل الحكم الجديد، وبالتالي فقد كانت الدعايات تحض على عدم أداء الحج، من هنا جاء التفكير في اتخاذ عدة تدابير لمواجهة المشكلة، فكان من بينها إرسال المبعوثين لفترات قد تدوم سنوات، وكان بعض منهم يقدم للملك عبد العزيز تقارير عن جهوده التي قد تشمل إصدار صحف لهذا الغرض، أو فتح مدارس، أو القيام بنشاط إعلامي ودعوي مكثف، مع عقد اللقاءات في الجمعيات الإسلامية والهيئات الاجتماعية المؤثرة. وقد شملت الإجراءات الأخرى إنشاء إدارة للدعاية للحج، وإصدار مجلة (النداء الإسلامي) باللغتين العربية والملاوية، وإصدار مجلة (الحج). وكانت في معظمها تركز على الأمن في الأراضي المقدسة واستقرار الأوضاع فيها. «كما استثمر الملك عبد العزيز علاقاته مع الأدباء والكتاب والصحفيين كمحمد رشيد رضا ومحب الدين الخطيب وأمين الريحاني ومحمد أسد وعبد الله فلبي وغيرهم، لإيصال رسائله الإعلامية والتأثير في الرأي العام الخارجي. هذا عدا استفادته من مهارات مستشاريه من السياسيين والمثقفين كيوسف ياسين وفؤاد حمزة وإبراهيم بن معمر ورشدي ملحس وحافظ وهبة وغيرهم. رغم محدودية الإمكانات في ذلك الوقت، فقد تعامل الملك عبد العزيز بانفتاح على الإعلام، فاستقبل المراسلين الأجانب،وسمح بتصوير الأفلام الوثائقية، وكان يتابع باهتمام ما تبثه الإذاعات وتنشره الصحف الأجنبية. كما أنه بمواقفه الواضحة والصريحة جعل كثيراً من أرباب الفكر وقادة الرأي يتبنون تلك المواقف ويدافعون عنها في المحافل الدولية. كما كان – رحمه الله – مدركا لاتجاهات الرأي العام في البلدان المختلفة. يقول مستشار الملك عبدالعزيز وسفيره في عدد من الدول السّيد حمزة غوث: إن الملك حين قرر تعيينه سفيراً في إيران قال له: «إنك تعلم أن علاقتنا بإيران مقطوعة بعد الأحداث (اللي إنت خابر). والآن بعد انتهاء الحرب من مصلحة الجميع أن تعود العلاقات بيننا وبينهم. ثم أنا عندما اخترتك سفيراً في إيران لأسباب لا تخفى عليك منها أنك سّيد، واسمك حمزة، ومن المدينةالمنورة، والإيرانيون يهتمون بذلك، ولهذه الأسباب مجتمعة وقع اختياري عليك، فماذا تقول؟»!!! إن الجزيرة قد كانت وما فتئت تراك في كل خير نالها سببا عبدالعزيز هو الباني لماعجزت عنه البناة ولم يعجزه ما طلبا إن المتتبع لممارسات الملك عبدالعزيز الإعلامية، لا يملك إلا أن يعجب بقدراته ومواهبه واستثماره لكل الإمكانات المتاحة حينها، لإيصال رسالته وإيضاح مواقفه. لقد كان تعامله مع الإعلام الخارجي مزيجاً من استخدام القوة الناعمة مع الدبلوماسية الشعبية، إضافة إلى الوسائل الإعلامية المتاحة وقتذاك، يسند كل ذلك الجهد الدبلوماسي للسياسة الخارجية السعودية حينها. وبعد: فهذه إطلالة سريعة على تاريخنا الإعلامي في مواجهة الحملات والتأثير في الرأي العام الخارجي، وما أشبه الليلة بالبارحة فالمملكة تواجه اليوم حملة إعلامية شرسة ومنظمة، تزداد شراسة مع كل تحرك دبلوماسي وجهد سعودي على صعيد السياسة الخارجية، ومع ذلك لا نلمس المواكبة الإعلامية المناسبة لهذه التحركات، ناهيك عن التصدي للحملات الموجهة ضد المملكة. ما يحتاجه الإعلام هو المهنية، وفي حضور الموظفين وغياب المهنيين لا يمكن أن نطلب أكثر مما هو حاصل. مؤسساتنا الإعلامية الرسمية لا أظنها قادرة بهياكلها وكوادرها الحالية على ايصال رسالتنا إلى الرأي العام العالمي. الإعلام الجديد أظهر لنا مواهب وقدرات سعودية في التحليل والتعليق والدفاع عن قضايانا الوطنية، وقد شاهدنا قبل أيام كيف أن مغردين سعوديين أجبروا موقع (سي إن إن باللغة العربية) على الاعتذار عن نشر خبر حمل اتهامات للمملكة بالوقوف وراء تفجيرات وقعت في دمشق. هناك من مبتعثينا للدراسات العليا من له تجارب ناجحة في التحليل السياسي ومخاطبة وإقناع الرأي العام العالمي وأفضل بكثير من بعض من ابتلينا بهم في قنواتنا التلفازية. ما نحتاجه اليوم هو هيكلة شاملة للإعلام السعودي، مع إعداد استراتيجية للإعلام الخارجي، واستثمار كل إمكاناتنا وقدراتنا وكوادرنا وطاقاتنا، إضافة إلى دعم إنشاء مراكز وطنية للمعلومات والدراسات المتخصصة، وتفعيل كل أدوات قوتنا الناعمة، وتطوير دبلوماسيتنا الشعبية. في تقديري أن مجلس الشؤون السياسية والأمنية هو الأقدر على تبني هذا الأمر. وماهداك إلى أرض كعالِمها وما أعانك في حزم كعرام