مع قدوم هذا الضيف الثقيل على بعضهم، تكثر الشكوى، حيث لا معين إلا الله. هل جرَّبت أن تعيش مشرداً بلا وطن أو سكن، تفترش الأرض، وتلتحف السماء؟ كلٌّ منا في ليالي الشتاء الباردة يحرص على ألا يقصِّر على أهله في الملبس والمأكل طلباً للدفء. إن نِعم الله علينا كثيرة، وتستحق منا الشكر بتلمُّس احتياجات الفقراء و»المكروبين»، الذين يستنفرون لمواجهة هذا «العدو» بكل ما يستطيعون، وقد كان عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، إذا حضر الشتاء تعاهدهم، وكتب لهم في الوصية: إن الشتاء قد حضر، وهو عدو، فتأهبوا له أهبته من الصوف، والخفاف، والجوارب، فإن البرد عدو سريع دخوله، بعيد خروجه. يا مَنْ تنعم بالأجواء الدافئة داخل منزلك، وتأكل، وتشرب ما يحلو لك من الأطعمة والأشربة، التي تشتهيها، وتكون أمامك، تذكَّر أن لك إخوة يبيتون بلا طعام، أو شراب، وليس لديهم من الثياب ما يدفئهم، ويأوون إلى فراشهم بلا غطاء يقيهم لسعات الشتاء القارس. وقد يسَّرت هذه البلاد المباركة لأبنائها المساهمة في الخير، وبذل ما يستطيعون من خلال بعض المؤسسات والجمعيات الخيرية، التي تُعنى بكسوتي الشتاء والصيف، وتوصلهما إلى مستحقيهما، فبادروا إلى هذه «الغنيمة الباردة»، التي تكون سبباً في تفريج كربة، وإدخال سرور على قلب مسلم. روي عن عمر مرفوعاً: «أفضل الأعمال إدخال السرور على المؤمن؛ كسوت عورته، وأشبعت جوعته، أو قضيت له حاجة».