ابن يقتل أباه، أخ يذبح أخاه، زوجة تنحر زوجها، آخر يغتال عباد الله وينتهك حرمة بيوت الله، حتماً ليست هذه قائمة بجرائم عصابة «مارا سالفاتروشا»، وليست أيضاً أسماء لأفلام إثارة وأكشن، بل هي مع الأسف واقع نعيشه!! واقع يشعرني أحياناً بأننا في حالة سكر جماعي أو بأن هناك فيروساً وجرثومة خبيثة أخذت في الانتشار وأصابت القوم بجنون بشر هذه المرة وليس بقر! ما بالهم؟! من علمهم كل هذا الإجرام وهذه القسوة؟ ما هذه الأحقاد والطائفية النتنة، من زرع فيهم حب القتل وإراقة الدماء وإزهاق الأرواح؟! عن أي خلافة وعن أي دولة يتحدثون؟! أحدهم أخبرني بأن المشكلة قديمة قدم التاريخ نفسه، وبأن ما يحدث ونراه ما هو إلا نتاج اختطاف الدين وقراءته بعين واحدة وأختها الأخرى عوراء! قال بأن هناك من استغلوا الدين لمصالحهم الدنيئة حتى جعلوا منه أفيوناً وسماً زعافاً غسل الأدمغة وصنع مجانين ودواعش مسعورة تكره الحياة وتكره الإنسان بل وتكره الأرض ومن عليها! كان يحاول إقناعي بأنه قد تم سرقة الإسلام ودعشنته والمتاجرة به وبمبادئه السامية والنبيلة، مستغلين بذلك وسائل التواصل والثورة التقنية ليصبوا الزيت على النار ويوقظوا فتنة نائمة لم يكن ينقصها سوى منبر ومحرض وتغريدة حتى تنفجر ويكتمل مثلث الحريق! لكن لا بأس فمع ذلك ورغم أن صديقي قد لامس الجرح وقرع أجراس الحقيقة إلا أنني حاولت أن أجعله ينظر للنصف الممتلئ من الكأس، راهنته بأن الأمر أسهل من ذلك بكثير في حالة تم إعمال العقل وإعطاء الضمير فرصته بعيداً عما قاله لنا هؤلاء وهؤلاء، لابد من أن الفطرة السوية والسليمة ستخبرنا بروعة الحياة وجمالها وبحرمة النفس وعظمتها، ستخبرنا بأن نتعايش وندع الخلق للخالق وبأن الحقيقة ليست حكراً على أحد، ستخبرنا أيضاً بأن ثقافة الإرهاب والقتل ليس لها دين ولا مذهب ولا ملة، علينا أن نتكاتف ولنحافظ على وطننا ومقدراته ونلتف حول قادتنا وقيادتنا ولنعلم بأن الدين لله والوطن للجميع، علينا مراعاة ضمائرنا ومراقبة الله وإعمال الفكر هذه المرة فالأزمة هنا هي حقاً ما يجب اعتبارها أزمة فكر وليس كما أخبرتنا وزارة الإسكان الموقرة!