يقول الشاعر نزار قباني «لا أستطيع أن أكتب عن دمشق دون أن يعرش الياسمين على أصابعي» فللياسمين الدمشقي وقفة البياض على مفاصل حارات دمشق ووقفة التوق في عناوينها، فبعد أن هاجرت أقدام اللاجئين عن رمال سوريا وشوارعها فقد اللاجئون السوريون أهم ما يجب أن يحافظ عليه الإنسان وهو بيته، وعنوانه ووطنه وأمانه واطمئنانه فلم يعد السوريون بعد رحلات البر والبحر القاسية يحلمون بالياسمين، لم تعد الأفكار بريئة، وبسيطة كنهر بردى وما عادت تلقائية كسوق الحميدية ولا مليئة بالأسرار كجبل قاسيون مستدركة لتاريخ الأمويين وبصماتهم على بوابات مدنها التاريخية، لم تعد القلوب قادرة على التلفت للخلف من شدة الفزع، والرغبة في الهروب من حمام الدم والأشلاء المتراشقة عبر نوافذ السياسة التي لطخت ما بقي من عمر الياسمين المتدلي من النوافذ ساكنا أبواب البنايات العتيقة فما بين خريفين اختلف الفارق بين ياسمين الشام، وياسمين أوروبا ما بين دفء المواسم، وبردها وما بين روائح الشام، وحفاوة أزقتها وكرم أهلها رحل اللاجئون إلى عناوين لا تعرف أبجديات الياسمين فهذه الزهرة الرمز المرتبط بغوطة المكان، وقلوب سكانها عندما يتدلى منها نهر البياض ويعرش على مداخلها رافعا رايات السلام.. ولا سلام ذلك الذي يشمه اللاجئون مطرزا يعبق بأريج الفل والحبق والأضاليا والمستحية، ولا يجدونه وهم يبحثون عن وطنهم خارج حدود البياض فلا وجه الشبه بين عرائشه في الشام وثلجه وشحوبه في أوروبا، حيث لا توقظه الدهشة ويظل خاملا لا يجد من يواسيه يظل وحيدا.. شتائيا كطقس أوروبا يحتاج إلى دفء شمس الحياة وإلى لحظات الحنين تلك التي يعيشها اللاجئون في انتظار طوق ياسمين واحد للنجاة.. لم تشفع لهم فيه كريات دمائهم البيضاء ولا لهفة عيونهم كي يعودوا إلى وطن تتعالى فيه الشعارات.. وطن تحول إلى سوق مزايدات فمن يبيع هذا الدم العربي في مزادات العالم من يساوم على هذا الياسمين اللاجئ والمجروح من يدفع أكثر ومن يشرد أكثر في وطن لا يملك ياسمينه مخالباً ولا حقاً للدفاع عن أصابع الأطفال وأوراق النعناع التي أضحت خارج الأقواس، تلك حكاية المعالق التي تغرف كل يوم من هذا العمر العربي الشاسع وتصادر راحته وفرحة أطفاله وأمان عجائزه وتطلع شبابه وتصطاد برصاصها كل نبض يلوح في قوس قزح يمكن أن يخرج بديهيا في عيون السوريين «لك الله يا سوريا». يقول الشاعر محمود درويش في الشام، أَعرفُ مَنْ أنا وسط الزحام، يَدُلّني قَمَرٌ تَلأْلأَ في يد امرأة عليّ، يدلّني حَجَرٌ تَوَضَّأ في دموع الياسمينة ثم نام