عندما ينتشر مرض أو وباء في مكان ما من العالم تهب كافة الدول ومعها المنظمات والهيئات الدولية جميعها لأخذ الاحتياطات اللازمة؛ لمكافحته والقضاء عليه قبل أن يستفحل ضرره، وتتفاقم أخطاره، وتكثر ضحاياه، وتبذل في ذلك جهودًا كبيرة واستثنائية من أجل الخلاص منه. ولا تقتصر جهود الدول والمنظمات والهيئات على مكافحة المرض أو الوباء بل تبذل جهودًا موازية عبر كافة الوسائل المتاحة في برامج التوعية والتثقيف، وتعمل على بيان وسائل الوقاية منهما بين الأفراد والمجتمعات، وتضع بعض الدول تطبيقات صارمة في الحدود ووسائل النقل المختلفة والأماكن العامة. ظهرت في السنوات الأخيرة كثير من الأمراض المختلفة في العالم من خلال فيروسات متعددة الأسماء والأشكال، وهي في غالبها تتطور، وتتخذ تلك الفيروسات أثناء انتقالها أشكالا جديدة ومختلفة ما يعني أن الأمر يتطلب بالضرورة تطوير وسائل مكافحتها، والقضاء عليها، وكذلك طرق علاج المصابين بها. إن ما يظهر من جهود عالمية موحدة في مكافحة الأمراض والأوبئة يثبت أنه لا يمكن لدولة أن تتمكن بإمكانياتها المنفردة من مكافحة بعض الأوبئة. إن الإرهاب الذي بدأ يعصف بالعالم بات داءً ووباءً عالميًا، لا يستهدف دولة أو مجتمعًا بعينه، بل أصبح يستهدف الإنسان الآمن في كل مكان، وهذا الانتشار للأعمال الإرهابية وتطوير أساليبها من حين لآخر يشبه تطور الفيروسات التي تسبب الأوبئة. لا يمكن لدولة –بمفردها- القضاء على الإرهاب؛ لأن مكافحته والقضاء عليه تتطلبان جهدًا عالميًا مشتركًا من أجل التضييق عليه، ومعرفة وسائله وأدواته، ووضع الخطط الحقيقية التي تمكن الأجهزة الأمنية من استباق حركته ومحاصرته بشكل حقيقي يشل حركته، ويعطل خططه، ويحول دون تنفيذه لعملياته وجرائمه الكبرى. إن بلادنا تدرك أن الإرهاب بكافة أشكاله هو مشكلة عالمية، وأن جزءا كبيرًا من الإرهاب تقف خلفه دول تدعمه، وتسهل لعملياته، وتوفر له المال، وتقدم له الدعم بكافة أشكاله، إنها دول حاضنة للإرهاب، وهناك منظمات وأحزاب إرهابية استغلت ظروف بلدانها فنمت وتطورت بشكل فيروسي خطير معتمدة على ارتباطاتها وعلاقاتها المتعددة مع الدول الداعمة للإرهاب. إن مجتمعنا يعاني من الإرهاب منذ سنوات، بل ومنطقتنا الخليجية كذلك، وقد بذلت الدولة جهودًا كبيرة في التصدي له، وقدمت مبادرات حقيقية على الصعيد الداخلي، وساهمت في تقديم مبادرات صادقة على المستوى الخارجي تصب جميعها في وضع الإطار الحقيقي لمحاربة الإرهاب فكرًا ومنهجًا وعملًا. جاءت كلمة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز في قمة دول مجموعة العشرين في تركيا لتضع الحقيقة أمام العالم بأن الإرهاب هو التحدي الحقيقي الذي يواجه العالم من خلال تأكيده -أيده الله- على ضرورة مضاعفة المجتمع الدولي لجهوده لاجتثاث آفة الإرهاب الخطيرة، وتخليص العالم من شرورها التي تهدد السلم والأمن العالميين، وأكد -رعاه الله- على أن الإرهاب يعيق الجهود في تعزيز النمو الاقتصادي العالمي واستدامته. لقد قال خادم الحرمين الشريفين لقادة العالم إن الحرب على الإرهاب مسؤولية المجتمع الدولي بأسره، وبين لهم أن الإرهاب داء عالمي لا جنسية له ولا دين، وأن محاربته واجبة على كافة دول العالم، بل على العالم أن يحارب تمويل الإرهاب، وأن تعمل دول العالم على تقوية التعاون من أجل الوقوف في وجهه. وبين خادم الحرمين الشريفين للعالم بأن دين الإسلام بريء من الإرهاب، وأن الوسطية والسماحة هي منهج الإسلام، وذكر في كلمته أن المملكة عانت من الإرهاب، وأنها حريصة ولا تزال على محاربته بكل صرامة وحزم، وأنها تتصدى لمنطلقاته الفكرية التي تتخذ من تعاليم الإسلام مبررًا لها، وأن المملكة تتعاون مع المجتمع الدولي لمواجهة ظاهرة الإرهاب أمنيا وفكريا وقانونيا. وأعاد -رعاه الله- أن المملكة اقترحت إنشاء المركز الدولي لمكافحة الإرهاب -تحت مظلة الأممالمتحدة- وتبرعت له بمائة وعشرة ملايين دولار، ودعا في كلمته الدول الأخرى للإسهام فيه ودعمه لجعله مركزا دوليا لتبادل المعلومات وأبحاث الإرهاب. إن حضور القضية الفلسطينية بشكل أساسي وواضح في خطاب خادم الحرمين الشريفين -أيده الله- يؤكد مبدأً ثابتًا لا تحيد عنه قيادة البلاد في حق الشعب الفلسطيني بأرضه وهويته، ونبذ الاحتلال الجاثم على صدر الأمة منذ عقود، الذي يقوم بأعمال إجرامية يومية في حق إخواننا الفلسطينيين. كانت سوريا واليمن حاضرتين في كلمة خادم الحرمين الشريفين -رعاه الله- وشعباهما الشقيقان، ودعا إلى تعاون حقيقي للتغلب على المشكلات والمخاطر والتحديات التي تواجه العالم؛ لأنها لا تحل إلا بالاعتراف بها. وقفة: إن الإرهاب داء استشرى خطره، وازداد ضرره، ولا سبيل لدول العالم إلا بمواجهته بقوة وحزم!