من الواضح في موزمبيق وزيمباوي والدول المتقدمة الأخرى أنه حينما يخطط البلد لمخطط سكني تكون ضمن المخطط أراض للخدمات التعليمية والصحية والأمنية وأماكن للخدمات العامّة كالحدائق وغيرها، ومن الواضح أيضاً أن تلك المساحات المخصصة لمثل هذه المشروعات تكون بيد الدولة وتحت تصرّفها إلا أن ما يحدث هنا غير، وما يحدث في حفر الباطن غير ذلك كله! فقد استفاقت ذات يوم مفاجئ إدارة التربية والتعليم في حفرالباطن واكتشفت أنها لا تملك أراضي لمدارس البنات، وبالبحث في الأدراج (المغبّرة) لم يجدوا أي (صك أرض) يوحي بأنه ستقام هنا يوما ما مدرسة، وبالرجوع إلى المخططات الرسمية لتلك الأحياء وجد أن هناك مربعات تسمّى أراض للخدمات التعليمية وبسؤال أقرب (شريطي) عقاري عن مواقع تلك الأراضي على الواقع قال لهم إنها الآن تحوّلت إلى استراحة أو بيت تقطنه عائلة أو ربما ملعب كرة قدم! المهم أنه بعد أخذ وأخذ – حيث لا رد – طالت الإجراءات و»عرضت» وقررت الوزارة الصمت وتأمين أراض بديلة عن طريق الشراء لتبني عليها المدارس، وأعلنت ذلك، و»على كل من يملك أرضاً بالمواصفات المطلوبة مراجعتنا» هكذا بكل بساطة لا أحد يعرف أين ذهبت تلك الأراضي ولمصلحة من؟! ومن تصرّف بها وأين هو من القانون؟ إلاّ أن جميع البسطاء يؤكدون أن هذه الأسئلة مصيرها كمصير أي سؤال يواجه مسؤولينا حيث لا إجابة أبدا، المهم أنهم متأكدون أن لا أحد يملك أرضاً بالمواصفات المطلوبة الاّ قلّة، وتلك القلة لا أحد يملك حق سؤالها من أين لك هذا؟ لأن الرازق في السماء والحاسد والنّاهب في الأرض! طبعاً لا أريد من أحد أن يفهمني خطأ ويظن أنني أتحدث عن صديق الجميع السيّد (فساد) بل لأنني أنا ومعي كثيرون نمارس هواية طرح الأسئلة السهلة التي لا أجوبة لها، ونقضي وقتنا في هذه الهواية ليس أكثر! هل صحيح أن من بين من سيتم تعويضهم عن مستوطناتهم التي تقدموا بها كمواطنين هم من كبار المسؤولين في حفرالباطن؟ وهل صحيح أن بعضهم من مسؤولي كتابة العدل والمحكمة وأن مفاوضات (الأرض مقابل السلام) على وشك الانتهاء الآن في مالية حفرالباطن؟! أنا لا أستغرب أن (تنهب) أية (شقفة أرض) خدماتيّة من أي ضمير غائب أو ضمير مستتر لكني وبصدق استغرب من عدم وجود سلطة تعيد تلك الأراضي التي ذهبت بطريقة ابتكرها المبدعون في فن التحايل على الأنظمة وأستغرب أكثر حينما نتحدث عن مكافحة الفساد في الصفحة الأولى ونتحدث في الصفحة الثانية بمبدأ عفا الله عمّا سلف! كيف تتسامح وزارة تمثل حكومة الملك عبدالله بن عبدالعزيز الرّجل الذي أعلن الحرب على الفساد ورفع راية الإصلاح مع مثل هذه التجاوزات؟ ولماذا لا تفتح الوزارات هذا الملف وتكشف أسماء الذين تحولت أراضيها لهم بطريقة أو بأخرى حتى يعرف الجميع أن هناك أراضيَ احتلّت بطرق مبتكرة أسكتت الجميع ولم يعد أمامنا الاّ احترام أولئك المبتكرين ولكي يعرف الجميع أيضاً أن ليس فوق أيدي أولئك (المحتلّين) إلاّ يد الله وهم يريدون ذلك لأن مخافة الله أصبحت شعاراً فقط وعند كثيرين للأسف!