أعلن المجلس الانتخابي الأعلى في تركيا نتائج الاقتراع التشريعي الأخير ليتأكد رسمياً فوز حزب العدالة والتنمية وسط توقعاتٍ باستمرار داود أوغلو في رئاسة الوزراء، في وقتٍ أثارت الهزيمة التي مُنِيَت بها المعارضة بلبلةً في صفوفها. وتزامن الجدل السياسي مع اعتقال الأمن 11 متشدداً في إسطنبول للاشتباه في انتمائهم إلى تنظيم «داعش» الإرهابي. وأفاد المجلس الانتخابي الأعلى أمس الخميس بفوز حزب العدالة والتنمية، الذي يتزعمه رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو، ب 317 مقعداً نيابياً من أصل 550 بعد حيازته 49.5 % من أصوات الناخبين. فيما فاز حزب الشعب الجمهوري ب 137 مقعداً، وتلاه حزب الشعوب الديمقراطي المؤيد للأكراد ب 59 مقعداً، وحلَّ حزب الحركة القومية اليمينية أخيراً ب 40 مقعداً. وأكد رئيس المجلس، سعدي غوفين، النظر في الطعون وتحديد النتائج النهائية بناءً على ذلك. وأشار إلى بلوغ نسبة المشاركة في التصويت 85% في الداخل و40% في الخارج. وبذلك؛ تعود الأغلبية النيابية إلى «العدالة والتنمية» بعدما خسرها في انتخابات 7 يونيو الماضي للمرة الأولى منذ 13 عاماً. وبعد فشل مفاوضات تشكيل ائتلاف حكومي؛ دعا الرئيس، رجب طيب أردوغان، إلى انتخابات جديدة في مطلع نوفمبر أعادت إلى حزبه حق تشكيل مجلس الوزراء منفرداً. ويؤدي النواب الجدد القسم الدستوري في ال 17 من الشهر الجاري تمهيداً لاختيار رئيس مجلسهم.ويُتوقَّع تثبيت الأغلبية رئيس الوزراء في منصبه وتكليفه تشكيل حكومة جديدة قد تستمر حتى الاقتراع المقبل في عام 2019. وتتيح النتائج لأردوغان المضي في مشروع تعديل الدستور الذي يمنح الجزء الأكبر من السلطة التنفيذية إلى رئيس الوزراء، بينما يكافح خصومه بشراسةٍ هذا المشروع. وأثارت الهزيمة الانتخابية التي مُنيِتَ بها المعارضة البلبة في صفوفها، حيث ارتفعت أصواتٌ تطالب بتغيير قياداتها. وسارع قادة الأحزاب الثلاثة المعارِضة المُمثَّلة نيابياً إلى إعلان نيتهم عدم الاستقالة. ولاحظ مدير مكتب صحيفة «حرييت» في أنقرة، سركان دميرتاش، أن «المسؤولين السياسيين لا يريدون التخلي عن مناصبهم بعد الهزيمة ولا يلومون أنفسهم على أي خطأ». لكن تصريحاتهم هذه المرة أثارت موجات احتجاج في الهيئات القيادية لأحزابهم. وبرزت التصدعات الأولى في صفوف «الشعب الجمهوري». وتعتبر أوساط الحزب رئيسه، كمال كيليتشدار أوغلو (66 عاماً)، ليِّناً ولا يستطيع الوقوف أمام أردوغان. وبعد تراجع صدمة الهزيمة؛ أطلق النائب، محرم إينجه، حملةً ضد كيليتشدار أوغلو الذي مُنِيَ بهزيمته الانتخابية السادسة منذ تولِّيه رئاسة الحزب الذي أسسه كمال أتاتورك نفسه.وتساءل إينجه بحدة موجهاً خطابه لزملائه في «الشعب الجمهوري»: «هل تقبلون أن يُمثِّلكم للمرة السابعة محامٍ خسر قضيتكم 6 مرات؟»، معتبراً أن «الحزب يعاني من مشكلة مصداقية وينبغي أن يُحاسَب المسؤولون عن هذا الفشل». ولقِيَت دعوة إينجه صدى، وأعلن نائبٌ آخر هو مصطفى بلباي أنه سيترشح لرئاسة الحزب في مؤتمره المقبل في ديسمبر. ويشهد «الحركة القومية» اليميني أجواءً على قدرٍ مماثلٍ من التوتر. فالحركة هي الخاسر الأكبر في الاقتراع الأخير مع تراجع نتيجتها بنسبة 5% وخسارة نصف مقاعدها تقريباً في البرلمان (41 مقابل 80 قبل 5 أشهر). إلا أن رئيسها منذ حوالي عقدين، دولت بهجلي (67 عاماً)، عبَّر بوضوح عن نيته الاحتفاظ بمنصبه أياً كانت الظروف. وأكد «لن أتراجع»، علماً أن الصحافة تطلق عليه أحيانا كنية «السيد لا» منذ رفضه القاطع المشاركة في ائتلاف حكومي بعد استحقاق يونيو الماضي. وفيما بدا بهجلي متكتماً منذ مطلع نوفمبر؛ فإنه أقال «المتمردين» في صفوف حزبه كي يصل إلى مؤتمره المقبل في عام 2017 بهدوء. بينما تمكن حزب المعارضة الثالث «الشعوب الديموقراطي» من الحفاظ على عدد كبير من مقاعده، لكنه خسر مليون صوت ولم يعد لديه أكثر من 59 مقعداً مقابل 80 في السابق. وعزا رئيس الحزب، صلاح الدين دميرتاش (42 عاماً)، هذا التراجع إلى الحد من أنشطة حملته لا سيما بعد عملية انتحارية أسفرت عن مقتل 102 شخص من أنصار القضية الكردية في أنقرة في 10 أكتوبر. لكنه سيغادر منصبه في يناير المقبل لحظر النظام الداخلي لحزبه تولِّي شخص واحد أكثر من ولايتين متعاقبتين. ووسط هذه الأجواء؛ يبدو مستقبل المعارضة معتماً، إذ لا يرى المحللون تحسناً في المستقبل القريب.ويعتقد المحلل من معهد واشنطن للأبحاث، سونير تشاجابتاي، أن «العدالة والتنمية وضع يده على القسم الأكبر من الناخبين اليمينيين، من بينهم ناخبو يمين الوسط، ولا يبدو أن هذا سيتغير قريباً». ولا يسمح النظام الانتخابي للأحزاب بحيازة مقاعد نيابية إلا لو حظت بتأييد 10% من الناخبين. في سياقٍ آخر؛ ألقت الشرطة التركية القبض على 11 شخصاً مشتبها بهم في مداهماتٍ استهدفت متشددي «داعش» في مدينة إسطنبول. وتأتي المداهمات التي دعمتها طائرات هليكوبتر في إطار سلسلة عمليات ضد المتشددين المشتبه بهم، حيث يجرى تشديد إجراءات الأمن قبل اجتماع زعماء دول مجموعة العشرين في أنطاليا في ال 15 وال 16 من الشهر الجاري. وكانت الشرطة اعتقلت الأسبوع الماضي في أنطاليا 20 شخصاً يُشتبَه بوجود صلاتٍ تربطهم بالتنظيم الإرهابي. وذكرت وكالة أنباء «الأناضول» أن فرقة مكافحة الإرهاب نفذت مداهمات متزامنة في أكثر من 20 مكاناً في أحياء متعددة في إسطنبول وألقت القبض على أشخاصٍ بينهم 7 أجانب.ورجحت الوكالة استمرار العملية، قائلةً «ربما يُلقَى القبض على آخرين». وتعهدت أنقرة في يوليو الماضي بلعب دور أكبر في محاربة التنظيم الإرهابي. وتشير أصابع الاتهام إلى دورٍ رئيس لعناصر التنظيم في تفجيرات أنقرة الأخيرة التي طاولت مسيرةً مؤيدةً للأكراد وقتلت أكثر من 102 بينهم.