تحتضن الشارقة هذه الأيام أكبر حدث ثقافي في المنطقة العربية حيث افتتاح معرض الشارقة الدولي للكتاب في نسخته الرابعة والثلاثين يوم الأربعاء 4 نوفمبر 2015م برعاية من سمو الشيخ الدكتور سلطان القاسمي رائد الثقافة عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، يرافقه صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل رجل الفكر والثقافة والفن والأدب، بصفته الشخصية العربية الثقافية المكرمة هذا العام. كثيرة هي المعارض الدولية للكتاب ولكل معرض رسالته الخاصة وسمته الخاص ورونقه الذي يتميز به، ولونه الذي يميزه عن غيره، علما أن هذه الأعراس تختلف من دولة إلى أخرى ومن عاصمة إلى عاصمة أخرى، بحسب طبيعة البلد وموقعها الجغرافي، بلا أدنى شك أن الشارقة عاصمة دائمة للثقافة الخليجية والعربية، وبكل أمانة نجدها في كل مرة تتميز بنشاطها الثقافي وتتألق في اختيار البرامج الهادفة ودائما تنظم فعالياتها بتميز، فاختيار شخصية ثقافية بحجم خالد الفيصل لا يمكن أن يكون اختيارا عشوائيا، بل بكل تأكيد تم الاختيار بعناية فائقة وخطط مدروسة. إذا كانت معارض الكتب تعتمد على رؤية اقتصادية باعتبارها سوقاً تجارية إلا أنه لا يختلف اثنان على أن هذه المعارض التي تحتضنها العواصم العالمية فرصة حقيقية للتبادل المعرفي وتلاقي الأفكار سنويا ويهتبلها المجتمع الثقافي كل عام، ليزداد علما وثقافة وفي هذا دليل على تنمية الوعي، وتأكيد على أن الثقافة جزء مهم من المكون المجتمعي وجزء مهم من النسيج العام، وهنا رسالة مهمة جدا يوجهها أفراد المجتمع عند اهتمامهم بالكتاب فذلك يشير إلى شغف العالم بقراءة الكتب الورقية على الرغم من توفير معظمها إلكترونيا، إنما ذلك تأكيد على أن الورق له رائحة خاصة ورونق خاص وذوق مختلف. السعودية والإمارات تربط بينهما أواصر القربى والمحبة والتلاحم الوطني والتحالف القوي والتآلف والتآزر، يدركون جيدا قيمة التضامن الإسلامي والتكاتف العربي، ويدركون أهمية التآخي الخليجي، ويهتمون بالحفاظ على وحدة الصف وتوحيد المصير ويرددون دائما خليجنا واحد، وكانت الملحقية السعودية شريكا أساسيا في المعرض ولها مساهمة فاعلة في الأنشطة الثقافية على هامش المعرض وبحضور جماهيري لافت. كان الصالون الثقافي الذي أعدته الملحقية الثقافية في الجناح السعودي المخصص لها أنيقا وجميلا، تم إعداده ليحتضن عددا من الأنشطة والفعاليات الأدبية والثقافية على هامش المعرض وكان الدكتور محمد المسعودي مدير الشؤون الثقافية في الملحقية شعلة نشاط بل هو الدينمو المحرك للأنشطة الثقافية في الملحقية السعودية. يستقطب معرض الشارقة الكتاب والمبدعين من مختلف دول العالم للمشاركة في الأنشطة الثقافية الرائعة التي تم إعدادها بعناية فائقة.. حيث تم التجهيز الجيد للقاعات التي تحتضن الفعاليات المختلفة والمتنوعة منها المحاضرات والندوات، والأمسيات الشعرية وتوقيع المطبوعات الحديثة، فهناك قاعة الاحتفالات الكبرى التي احتضنت حفل الافتتاح في جو بهيج مع أهم الفعاليات الكبرى، وهناك ملتقى الأدب الذي تم تخصيصه للندوات، وملتقى الفكر الذي يعنى بالحوارات الفكرية والثقافية، وملتقى الكتاب الذي يشهد أنشطة يومية على فترتين صباحية ومسائية، يتخللها نقاشات وأمسيات شعرية وفنية، وأيضا المقهى الثقافي الذي يشكل علامة بارزة في فعاليات المعرض لاستقطابه الأسماء الفكرية والأدبية والإبداعية المتميزة عربيا وعالميا، من خلال فتح المجال للمعلومة عبر الكلمة والصورة في فضاء معرفي متنوع يحظى بتفاعل ومتابعة جماهيرية كبيرة، وحظيت منصات التوقيع بنشاط مكثف على مدار الساعة، حيث يستضيف هذا الركن يوميا عددا كبيرا من الكتاب والمبدعين بما لا يقل عن عشرين كاتبا ومبدعا، لإثراء المكان بتوقيعهم على مطبوعاتهم الحديثة، ويقدم ركن التواصل الاجتماعي يوميا خلاصة تجارب المبدعين والكتاب المخضرمين والناشئين، من خلال تويتر وفيسبوك ويوتيوب، وغيرها من الوسائل المتاحة التي تحظى بمتابعة كبيرة من الجماهير، والتغطية الإعلامية للمعرض سريعة ومباشرة من خلال الركن الإعلامي الذي ينقل منه الإعلاميون الأخبار والفعاليات المختلفة إلى جميع وسائل النشر والإعلام المقروء والمسموع والمرئي. بيت المثقفين العرب حضر بقوة وكثافة من خلال أعضائه الفاعلين الذين لهم مشاركات أدبية وثقافية في البرنامج العام للأنشطة المصاحبة للمعرض، سواء في الأمسيات الشعرية أو الندوات الفكرية، أو في منصة توقيع الكتب التي حظيت بأقلامهم ومنهم بلا صفة ولا ألقاب، أسماء الزعوني، محمد البريكي، رضا عوض، نعمات حمود، نوال حلاوة، نعيمة حسن، بهيجة ادلبي، ميساء خواجة، نبيل المحيش، مفرح الشقيقي، كفى عسيري، صالح غريب، عبد العزيز العيد، وزينب الخضيري وغيرهم ممن لا تحضرني أسماؤهم. عندما تكبر الهمم، يكون الحدث كبيرا، وهكذا تبدو الشارقة في أعراسها الثقافية طوال العام، تبتكر وتبدع، وتستضيف وتستقبل وتودع وتترك أثرا جميلا لا يمحى.