أكد إماما وخطيبا المسجدين الحرام والنبوي، الشيخ الدكتور صالح بن حميد والشيخ عبدالباري الثبيتي، أهمية تطهير البشرية من أدران الجاهلية وأمراضها، وتحرير العقل من الضلال والفكر من الخرافة والدجل، وكل السلوكيات التي تدمر إنسانية الإنسان وتفسد على المسلم عقيدته وخلقه وتلغي العقل والمنطق، فالذين يمارسون الحرق والتفجير وقتل المصلين في المساجد، طمست إنسانيتهم وأظلمت بصائرهم، الذين يقتحمون ويدنسون بأجسادهم وأحذيتهم مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقتلون في ساحاته النساء والأطفال والرجال، قد ماتت ضمائرهم وانسلخت إنسانيتهم بكل معانيها وصورها. وقال ابن حميد في خطبته بالمسجد الحرام: جاء الإسلام ليُقوِّم السلوك ليستقيم على الفطرة السوية والرابطة بين أهل الإسلام هي رابطة الدين، وأخوةُ الإيمان، ولها معالمها من حسن المعتقد، والمحبة، والسرور، وحب الخير للناس، والفرحِ به، واجتنابِ ما يكدر على ذلك ويشوش عليه، من الحسد، والشحناء، والتهاجر، والتباغض، والسباب، والتنابز بالألقاب. والناصحون من عباد الله المحبون لخلق الله أهلُ أدب، ورحمة، وحب، ومودة، وصدق، ووفاء. وأضاف: وقد استوعبت الشريعة في شمولها وعلاجها كلَّ أمراض النفوس ومعايبها أقوالا، وأفعالا، ومشاعر، وانفعالات، وإن في مستجدات العصر وتقنياته ما وسع ذلك كله، ابتلاء وعلاجا. ومضى يقول إن هناك خلقا ذميما، وسلوكا شائنا، يدل على نفس غير سوية، وقلبٍ مدخول، يكاد يخلو من الحب، والمودة، والعطف وحب الخير ذلكم – عباد الله – هو خلق الشماتة، وغالبا ما يقترن به مظاهر كريهة من السخرية، والهمز، والغمز، واللمز، وألوان الاستهزاء، قولا، وفعلا، وإشارة- عياذاً بالله-، أن الشماتة – حفظكم الله ووقاكم – وصف، ولقب، ولفظ ، فيه تنقُّصٌ، أو حطُّ مكانة، أو احتقارُ، أو ذمٌ، أو طعنٌ، أو تعد على كرامة، والشماتة فرحُ ببلية من تعاديه، والسرورُ بما يكره من تجافيه. وخاطب المبتلى بالشماتة – قائلا: عافاك الله من هذا الداء وهداك- كأنك تزهو بكمالك، وتفاخر بجمالك، وتغفل عن موادعة الأيام لك، وتظن أن هذا المبتلى، لم يبتل بما ابتلي به إلا على كرامة في نفسك، أو بسبب إجابة دعوة منك أو من غيرك، فهذه تزكية، وعجب، وغرور، وغفلة، بل قد يكون استدراجا ومكرا – عياذ بالله -، أما علمت أن الشماتة قد تكون انعكاساً لأمراض نفسية تدل على عدم الثقة، مع الإحساس بالفشل، فتسلي نفسك بهذا الخلق الذميم الشامت، محروم من المحامد الجميلة، والمسالك الراقية، والشعور الإنساني النبيل. وزاد يقول إن الشامت لا يفرح بمصيبة غيره إلا من لؤم طبعه، بل يقرر أهل العلم أن الشماتة من أخلاق أهل النفاق، فقد قال عز شأنه في وصف المنافقين: (إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا إن الله بما يعملون محيط). وقال إمام و خطيب المسجد الحرام: معاشر المسلمين: لقد استعاذ نبينا محمد صلى الله عليه وسلم من الشماتة وسوئها كما في الحديث الصحيح : «اللهم إني أعوذ بك من سوء القضاء، ودرك الشقاء، وشماتة الأعداء». وقد قال هارون لأخيه موسى عليهما السلام: كما في التنزيل العزيز: (ولا تشمت بي الأعداء) أي لا تُفْرحهم بمصيبتي. وفي المدينةالمنورة تحدث فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ عبدالباري الثبيتي، في خطبة الجمعة اليوم عن الإنسانية وسبل تحقيقها، موصيا فضيلته بتقوى الله عز وجل. أما في المدينةالمنورة فأشار الثبيتي إلى أن الإسلام ينشد كمال الإنسانية بإحياء مراقبة الله، وإذا ساس الإنسان نفسه وجاهدها انقادت له وأشرقت إنسانيته، مبينا أن الإنسانية التي زكاها الإسلام تضم جميع الأجناس والألوان ليتعارف الناس ويتألفوا ويعيشوا إخوانا، وليقوموا بواجب الخلافة على الأرض، قال الله تعالى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى* وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا * إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ* إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ). وبين أن من مقتضيات الإنسانية في الإسلام التعاون والتكافل، وبناء معاني الحب والرحمة والتسامح وهجر الحقد والكبر والانتقام ومنع الظلم ومساندة المحتاج، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وكونوا عباد الله إخوانا»، والقرآن الكريم يحيي معاني الإنسانية الفاضلة ويرسخ كرامة الإنسان، كما يحمي العواطف الإنسانية من الانحراف عن أهدافها ويحصنها من الصراع البغيض، الذي يتنافى مع الإنسانية النقية ويجعلها تبصر الحق وتعرف الرشد وتحكم العقل وتنشد العدل. فالقرآن يهدف لرقي الإنسانية، وألا تهبط فيها نزوات الجسد ودواعي الغريزة إلى الحد الذي يصبح الناس فيه عبيدا لشهواتهم وملذاتهم، كما يرتقي بالحياة حتى لا تتحول إلى صراع بغيض وحروب مدمرة تمتهن فيها الإنسانية. وأوضح الثبيتي أن الإنسانية في الإسلام بلغت شأنا عظيما ومرتبة سامقة في أهدافها ووسائلها، ومن ذلك الإحسان إلى الوالدين بالتكريم والنفقة وخفض الجناح وفي رعاية المرأة وأداء حقوقها، إما زوجا أوبنتا أوأختا، مشيرا إلى أن الإنسانية تنعدم وتطمس معالمها بالاعتداء على الخالق في خلقه، وفي التحليل والتحريم لقوله تعالى (خَلَقَ الإِنْسَانَ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ). ومضى قائلا: إن إنسانية الإنسان لا تصح ولا تكون لإنسانيته قيمة حتى يتحرر العقل من الظلال والفكر من الخرافة والدجل، ومن ذلك ما يقع من سحر وتنجيم ومخاطبة أرواح وقراءة كف، فهذه السلوكيات تدمر إنسانية الإنسان وتفسد على المسلم عقيدته وخلقه وتلغي العقل والمنطق. واختم الثبيتي خطبته مشيرا إلى أن المسلمين يحملون رسالة عظيمة في العالم، للارتقاء بقيم الإنسانية ومواجهة تحدياتها، وتبرز معاني الإنسانية في قادة هذه البلاد وأهلها، للدور الإنساني الكبير الداعم للعمل الإغاثي في شتى بقاع الأرض، ومد يد العون لكل محتاج بإنسانية صادقة ومشاعر دافئة.