كان صعباً على رفاق بهاء عليان، أحد منظمي أكبر سلسلة مُطالَعة في العالم حول أسوار القدس، التصديق أنه هو نفسه منفِّذ عملية إطلاق النار داخل حافلة في القدس الغربية ما تسبَّب في مقتل 3 إسرائيليين الثلاثاء الماضي. وبعد استشهاده؛ غصَّت صفحات التواصل الاجتماعي بتساؤلاتٍ عن سبب تحوُّله من فنَّان إلى مناضل. وشارك بهاء عليان (22 عاماً)، المتحدِّر من حي جبل المكبر في القدسالشرقيةالمحتلة، في تنظيم سلسلةٍ ضمَّت آلاف المقدسيين الحاملين لكتب المطالعة في مارس 2014؛ في محاولةٍ لكسر رقم قياسي في موسوعة «غينيس». ويرد محمد خليل عليان، والد بهاء، على التساؤلات قائلاً «العنف الذي يمارسه الاحتلال على الناس هو السبب، وكذلك ضعف قيادتنا بحسب ما كان ابني يعتقد». ويتمسك عليان بما يسميه حق تنظيم تشييع لائق لابنه حتى لو قررت السلطات الإسرائيلية عدم تسليم الجثمان ودفنه في مكان آخر «فهو سيكون مدفوناً في ترابنا الوطني». وداخل خيمة العزاء التي أقامتها عائلة الشاب الراحل؛ عُلِّقَت «الوصية» التي نشرها قبل حوالى 10 أشهر على صفحته في «فيسبوك». وجاء فيها «لا تبحثوا عما كتبته قبل استشهادي، ابحثوا عن ما وراء استشهادي». وأزالت شرطة الاحتلال الخيمة بالقوة أمس الأول، بحسب مشاركين في العزاء. ويعتقد الوالد أن بهاء تأثَّر بمشهد إطلاق النار على الطفل أحمد مناصرة الإثنين الماضي. ويقول بحزن «ما يجري للأقصى خطأ، مشهد الولد الجريح مناصرة ملقى على الأرض والناس يطالبون بقتله مع سيلٍ من الألفاظ النابية، كل هذا أثَّر فيه». وعلى صفحته في «فيسبوك»؛ كتب المثقف الفلسطيني إبراهيم جوهر «لماذا يتقدم الورد لقتال الشوك؟! بهاء كان بهياً نقياً صادقاً في عشقه للحياة وناسها والقدس وتاريخها، وصل الليل بالنهار لتنجح أطول سلسلة قارئة حول سور القدس، فكانت الفكرة- الفنتازيا حقيقةً واقعةً أذهلت بنجاحها الأصدقاء قبل الأعداء». وأكمل «هو خلوق خجول مرح، لعب دور المهرج ليدخل البسمة إلى قلوب الأطفال، وقائد الكشافة.. كان يحلم بحياة أنقى وأجمل»، متسائلاً «فما الذي حصل؟ (…) من استفز هدوءه؟». وفي حي جبل المبكر؛ أقيمت خيمتا عزاء أخريان، واحدة لعلاء أبو جمل الذي نفذ الثلاثاء الماضي عملية دعس وطعن استهدفت يهوداً في موقف حافلات، والأخرى لمصطفى الخطيب (18عاماً) الذي قُتِلَ الإثنين برصاص شرطة الاحتلال التي اتهمته بمحاولة طعن شرطي عند باب الأسباط. وتلقّى عادل بكر الخطيب، والد مصطفى، اتصالاً من المدرسة «ليبلغوني بتغيُّبِه». ويروي «كنت بدأت أسمع عن استشهاده، وذهبت إلى مركز الشرطة للسؤال عنه وانتهى بي المطاف في مستشفى أبو كبير، حيث سمحوا لي برؤية وجهه للتعرف عليه». ويطالب الوالد ب «الحصول على أشرطة الفيديو» لمعرفة حقيقة مقتل ابنه «حتى يرتاح قلبي وقلب أمه». وقبل 10 أيام؛ فجَّرت قوات إسرائيلية عسكرية وشُرَطية بيت عائلة غسان أبو جمل الذي نفذ مع عدي أبو جمل عملية إطلاق نار في كنيس يهودي العام الماضي. جاء ذلك بعدما توعدت حكومة بنيامين نتنياهو بمعاقبة منفذي العمليات. وفي وصيته؛ كتب بهاء عليان أيضاً «إن أرادوا هدم بيتي فليهدموه، فالحجر لن يكون أغلى من روحٍ خلقها ربي». وفي خيمة عزاء علاء أبو جمل؛ يشرح شاب قدَّم نفسه باسم عاصي أن «كثرة الضغط والإهانات تُولِّد الانفجار». وكان علاء، الأب لثلاثة أطفال، يعمل في شركة اتصالات. ويروي عاصي «عندما جاءوا قبل عشرة أيام ليلاً وفجّروا منزل غسان؛ أخرجوا سكان البناية وأخرجوا جدة علاء (90 عاماً) في الواحدة صباحاً وألقوها في الشارع، كما ألقوا أطفاله والأطفال الآخرين في البرد، وقام عشرة من الجنود بضربه ضرباً مبرحاً». ومؤخراً؛ فُرِضت نقاط تفتيش عند مداخل حي جبل المكبر، ووقف أفراد من شرطة الاحتلال تحت مظلات في زوايا الشارع، فيما آثار حجارة وبقايا إطارات مطاطية محروقة منتشرة على اللأرض. وخلَّفت موجة المصادمات الأخيرة في القدس والضفة نحو 30 شهيداً فلسطينياً و7 قتلى إسرائيليين. ويعلِّق باحث إسرائيلي كان ضابط احتياطٍ سابقاً، ويدعى أودي ديكل، على الهجمات التي ينفذها الشبَّان الفلسطينيون بالقول «هؤلاء يتحركون بطريقة فردية، لا يرون حلولاً أو مستقبلاً». ويرى ديكل في حديث إذاعي أن «ما يوجِّههم هو جهاز الموبايل الذكي بما يشاهدونه عليه ويسمعونه (…). إنهم يحملون هوية زرقاء ويعيشون في مناطق لم نستثمر أي شيء فيها تقريباً على مدى 48 عاماً».