يا الله...! أما آن للعقل العربي الإسلامي أن ينضج؟! أما آن له أن يرتدَّ ارتداداً حميداً صوب الإنسان والتراب؟! صوب آدميته المهدرة أيديولوجياً وطائفياً وعصبيةً أشد وأعتى من الجاهلية؟! أما آن له أن يتخذ الدينَ سبيلَ رفعةٍ وتقدمٍ وتحضرٍ وتعايشٍ واتحادٍ، لا سبيلَ تشرذمٍ وتقوقعٍ واستعلاء وخيلاء واستقواء بغير منطق؟! لماذا يقبل العقل العربي المسلم أن يُصنِّفَ نفسه بين (أكثريةٍ) و(أقليةٍ)، (سُنّةٍ) و(شيعةٍ)، بينما الدينُ واحدٌ، واللغةُ واحدةٌ، والأرضُ واحدةٌ، والسماءُ واحدةُ، والهويةُ واحدة؟! إن الصُّوَرَ البشعةَ التي نراها في معظم – إن لم يكن كل – مجتمعاتنا العربية الإسلامية، تشير وبكل وضوحٍ إلى أن هناك من يستعيض عن هويته/ المكان/ الوطن، ب(هوية المذهب)، وما هو بهوية! إنما المرضُ العضالُ الذي أصاب العقلَ المسلمَ هو من يُصور للسُّنِّيِّ (المتطرف) أن المذهبَ هويتُهُ، وللشيعيِّ (التطرف) أن المذهبَ هويتُهُ، بينما الوطنُ في كلا النظرتين المريضتين مجردُ وعاء! تماماً كنظرة المتخلفين للمرأة: وسيلة للإنجاب وكفى! وعلى أحسن الأحوال تجد من المخبولين من يضيف مذهبه إلى هويته فتسمع أن فلاناً (سعودي سني)، وفلاناً الآخر (سعودي شيعي)، وهكذا في معظم مجتمعاتنا العربية الإسلامية! عقول مريضة تبذر الشقاق بين أبناء الوطن الواحد والدين والواحد! وهنا تتجلى آفتان: الأولى: حينما تظن بعض العقول المريضة ممن ينتمون ل”الأكثرية” مذهباً أنهم ب”أكثريتهم” هذه مفضلون في الدولة على الفئة المنتمية ل”الأقلية” مذهباً، وأن لهم من الحقوق ما ليس للفئة الأخرى، وذلك ظن (كله) إثم! أما الآفة الثانية: فهي أيضاً عندما تصور بعض العقول المريضة ممن ينتمون للفئة الأقل عدداً، أن هذه ال”أقلية” مستضعفة ومظلومة وليس لها ما للأكثرية، وأن الدولة تحابي هذه ال”أكثرية”، فتنطوي الأقلية على نفسها، وينتابها الشعور بالغربة في وطن هو وطنها، كما أنه وطن الأكثرية، وذلك أيضاً تصور (كله) إثم! بالله عليكم: هل يحق لهؤلاء وهؤلاء أن يفاخروا بأنهم مسلمون وهم على هذا النحو من التشرذم؟! أيُفرِّقُ المسلمين مذهبٌ ولا يُجمِّعُهُم دين؟! ثم أين الوطن يا هؤلاء ويا هؤلاء؟! أنا أعرف أن المصري مصري (فقط)، والسعودي سعودي (فقط)، والبحريني بحريني (فقط)، والسوداني سوداني (فقط)...، مالي أنا ومذهب هؤلاء أو أولئك؟ بل مالي أنا ودين هؤلاء أو أولئك؟ لماذا نصنع بأيدينا – حينما نفقد قيمة الوطن – مدخلاً لاستقواء مرضى فئة على أخرى ب(أكثريتها)، أو استقواء مرضى فئة أخرى بشياطين من أوطان غريبة ل(أقليتها)؟! أفيدوني إن كنتم مسلمين!