أمعن صديقي في التفكير ثم أطلق تنهيدة مريرة وتمتم: صديقي تغير بعد المنصب. قلت له: كل الناس تتغير. المال والجاه والمنصب تدير الرؤوس وتغير النفوس. هذه حقيقة لا مراء فيها. وفي ذلك يقول القرآن الكريم: «كلا إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى». نعم هناك نماذج جميلة لا تغيرها المناصب ولا الجاه ولا المال ولكنها نماذج قليلة نادرة. انزعاج صديقي جعلني أبادره بالاتهام بأنه سيتغير هو نفسه لو حصل له ما حصل لصديقه رغم شهادتي لصديقي بحسن خلقه ورفعة تربيته. المشكلة أن المنصب حينما يأتي لا يأتي وحده ولكن يأتي معه كثرة الأعمال أحياناً، وأحياناً أخرى كثرة المطبلين، وأحياناً كثرة حاجة الناس لصاحب المنصب الجديد واحتكاكه بطبقات عليا لم يكن يحلم بها، وأحياناً بغيضة تكون الثقافة المهنية المسيطرة هي خلق المسافات مع من هم أقل منك وظيفياً وهذه بدعة ما أنزلت روح الثقافة المهنية الجيدة بها من عنوان. جبر النفوس على عدم التغير حينما تهطل النعم معادلة ليست يسيرة، وهي التي جعلت أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه يدور في السوق ووراء ظهره كيس ثقيل سأله الناس حينها: ما تفعل يا أمير المؤمنين؟ قال: خشيت على نفسي من الغرور. إذن جهاد النفس حينما تهطل النعم هو جهاد قاس ومضن، حدا بأمير المؤمنين عمر رضي الله عنه أن يفعل ما فعل، فماذا عن هؤلاء الذين لم يحصدوا غبار أرجلهم فتنكروا لأصحابهم وباعدوا المسافة عنهم؟! تعلمنا الحياة ونشرب من مشاربها فأصدقاء تغيرهم المناصب والجاه والمال والشهرة وأصدقاء كالمعدن النفيس كلما علا شأنهم علت مودتهم وزانت أخلاقهم وأحمد الله أنني من المحظوظين الذين وهبهم الله من نوعية هؤلاء الأصدقاء الذين أتشرف بصداقتهم وتسعد روحي بمعرفتهم.