كنتُ أدعو لمن يوقف سيارته ويغلق الطريق أمام المساجد ليدرك الصلاة بقولي «الله يهديه»، ولكني -لا أخفيكم سرَّا- أنني مؤخراً أصبحت أدعو «عليه» بقولي «الله لا يتقبل منك». حقيقة، من يشاهد إيذاء هذه السيارات لمستخدمي الطريق ولسكان الحي يتيقن أن الدعاء عليهم قليلٌ في حقهم. وأتعجب من شأن، من يغلق بسيارته الطريق في يوم الجمعة، ثم يمكث في المسجد بعد الصلاة لأداء السنة الراتبة، ثم يعرّج على بائع السواك عند الباب وينتقي أحسنه، ثم يشتري كرتون خضراوات، وفي نهاية المطاف يصل سيارته وقد احترق الناس غيظاً، ليبادلهم بابتسامة صفراء.. وكأن شيئاً لم يحدث! لا غرابة، إذ إنه لو علم أن سيارته ستسحب أثناء الصلاة، وتُغرّم، لما فعل. في الشارقة، تم مؤخراً تطبيق مخالفات الوقوف الخاطئ أمام المساجد، فمن يوقف سيارته وسط الطريق يُغرم 500 درهم، وتُسجل في رخصته أربع نقاط. في دول كثيرة حول العالم، من يغلق الطريق أمام منزلك، تتصل على شركة سحب السيارات، فتسحبها ثم تحتجزها لديها، ولا يتحصل عليها السائق إلا بعد دفع مصاريف الشركة. لاحظوا أنها أسندت المهمة للقطاع الخاص. ماذا لو كانت هنالك حالة طارئة لدى منزل بالقرب من المسجد، والطريق مقفل بسيارات «المصلّين»؟ ماذا لو أرادت سيارات الإطفاء الوصول إلى بيت يحترق ومُنعوا بسبب الوقوف العشوائي أمام المساجد؟ أليس إيذاء المسلم محرماً؟ فكيف يرتجي بعضهم أجر عبادة بفعل محرم؟ ببالغ الأسف: كان السكن بجانب المساجد مَغنماً.. فاليوم أصبح مَغرما. إن من يُغلق الطريق لإدراك الصلاة إنما هو بليدٌ أساساً في ذاته، وعادة ما يكون متأخراً في عمله ومهامه، فوضوياً في شؤونه وحياته، يتكاسلُ في خطوات يسيرات يقطعها إن أوقف سيارته في المكان المناسب، قد تضخم لديه حب الذات حتى أعماه عن مراعاة حرمة الطريق وحقوق الساكنين. ولو أردنا التخلص من هذه الظاهرة المؤذية فعلينا ألا نتسامح فيها ولا نبررها. يبدأ الحل من تغيير القناعات مصحوباً بهيبة النظام وصرامته و«حزمه».