هل يمكننا التخلص من استحواذ الإعلام الجديد على اهتمامنا وإدماننا لمتابعة قنوات تواصله المتعددة؟ هل نملك الإرادة للابتعاد عن المشاركة والتعليق والتغريد، ومتابعة الأخبار وما ينقل إلينا من أفكار وآراء يطول فيها جدالنا وحوارنا؟ وهل نتحكم في مشاعرنا وردات فعلنا، لكل ما ينقل لنا ويستفزنا سلباً وإيجاباً؟ ألسنا بحق نقع تحت تأثير سحر مواقع التواصل الاجتماعي Social Media بما له من إيجابيات وسلبيات وإشكاليات؟ يبدو أن الأمر صعباً لكثير منا، وليس أسهل عن الإدمان بكل المنبهات والمكيفات!! إذ إننا سنشعر بالانعزال والانفصال عن العالم والناس، والفائز بكسب الرهان في التخلص من هذا الإدمان العقلي المهيمن على تفكيرنا والمتسلط على حوارنا، سيشعر بالراحة والطمأنينة وراحة البال. كانت لي تجربة خلال شهر رمضان الفائت ابتعدت فيها عن كل وسائل التواصل الاجتماعي وتفرغت لتجليات الشهر الفضيل الروحية، ونجحت إلى حد ما، لكني اكتشفت أني كنت واهماً بعض الشيء، بعد أن وجدت أن التخلص من الاتصالات والإعلام «الواي فاي»، أهم بكثير من التخلص والابتعاد عن قنوات التواصل عبر النت في الفضاء الأزرق. من خلال متابعتي للأوراق التي طرحت للنقاش في الندوة التي عقدت في مسقط ضمن مهرجانها الثقافي لعام 2015 م، بموضوعها وسائل التواصل الاجتماعي/ التطبيقات والإشكاليات المنهجية. وهي قضية مهمة في عصر نعيش فيه نعاني من سلبياتها وإشكالياتها، إلى حد أننا نحيل إليها كل ما نحن فيه من أزمات ومحن. وهو ما قاله الدكتور محمد المهري أحد المشاركين في بداية الندوة، إذ أكد أن وسائل التواصل الاجتماعي تعد من أهم خصائص ثورة الويب التي غيرت بنية الإعلام الجديد، وهذا صحيح، كما أحدثت تغييراً جذرياً في البنية الاجتماعية والأخلاقيات والسلوكيات التي تأثر بها جيل مواقع التواصل الاجتماعي Social Media والفضاء الأزرق. تقول آخر الإحصائيات الأكاديمية في مجال الإعلام، ومن خلال استبيانات إحصائية لمستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي في الفضاء الأزرق في الشرق الأوسط، تبين أن ما يزيد على 40% من السكان لديهم شبكة نت، و88% منهم يستخدمون الأكثر شهرة منها لديهم «فيسبوك»، «تويتر»، «جوجل» و«إنستجرام» بشكل يومي، مما يدل على أن نسبة لا تقل عن 25% متأثرة ومتفاعلة مع الإعلام الجديد وتأثيراته، وأعود لموضوعي الذي يهمني البحث فيه، وهو ما أثارته إحدى أوراق الباحثين المشاركين في ندوة مسقط، ففي ظل هيمنة الإعلام الجديد في الفضاء الأزرق، ما مدى قدرة المواطن العربي المستخدم له على مقاومته والتحصن ضد طوفان المعلومات الواصلة إليه؟ وقدرته على التعامل معها بحيث لا تؤثر على قيمه ومواقفه واتجاهاته، وهذا الإعلام كان ولا يزال هو إحدى أهم وسائل النشطاء في نشر نشاطات حراكهم السياسي والاجتماعي والديني. ومما يجعل الخبراء في هذا المجال يدقون ناقوس الخطر، لما للإعلام الجديد من إشكاليات تهدد المنظومة الثقافية والاجتماعية والأمن الفكري في الشرق الأوسط، إن عناصر تنظيم داعش الإرهابي استطاعوا استقطاب كثير من الشباب والتأثير عليهم والانضمام لخلاياهم القتالية عبر وسائل تواصل الفضاء الأزرق، مستخدمين في ذلك، رسائل التهديد والترغيب.